المكانية الحلمية الاظهارية في دليل النص
في الواقع ان الكتابة الشعرية عادة لا تتم دون حلم أو حلمية خصوصا الكتابة الشعرية التي تتصف بها التجارب البعيدة عن ممارسات القصيدة الريادية ، و اليوم و أنا اطالع صفحة
( ألف ياء ) عن طريق العادة الاقتنائية بحكم كان لي مادة منشورة هناك في نفس الصفحة ، حيث لفت أنتباهي ثمة قصيدة تحمل أسم يبدو جديد نوعا ما على صفحة ثقافية جريدة الزمان ، بيد أنني لم ألاحظ من قبل هذا الاسم ، و عندما شرعت بقراءة ذلك النص وجدت من خلاله ثمة فضاء حلمي شاسع و خصب من التصويرية الانطباعية اليومية و المحاكاة نوعا ما ، و من جهة أخرى لمست تلك الايحائية الاظهارية بقيمة زمن المدلول الدلائلي . و هذه القصيدة كانت تحت عنوان ( حكايا إمرأة من الجنوب ) للشاعرة ماجدة غضبان و المنشورة في العدد و التاريخ ( 3816/من شباط فبراير / 2011) في الحقيقة و كما قلت في السابق أنا لا أعرف هذه الشاعرة و لم أقرأ لها حتى من قبل بأستثناء أنني عثرت لها على نصوص منشورة في ( مركز النور) على أية حال أن ما دفعني الى الكتابة عن قصيدتها هو ذلك الصوت الاظهاري الرفيع و الذي ينم على ان هذه الشاعرة تحمل خصائص ملاحقات دلالية موفقة في توظيف مقولات الحلمية و شعريتها
، كذلك من ناحية أخرى لفت اتنباهي بأن لدى هذه الشاعرة مفاتيح جديدة في فتح أبواب المخفي و المخبوء من لغة الأشياء المكانية في القصيدة ، فمثلا نقرأ مثل هذه المقاطع من العنونة الفرعية و التي جاءت تحت عنوان ( قرية ) :
الجرذ ..
إذ حط الرحال ..
في قريتنا ..
ما أكل الزرع ..
لكنه
أكل
كل أوراقي ..
لقد كان المعنى الاظهاري من وراء هذه المقاطع يشكل توليد دلالات احتوائية لحلمية خاصة من قيمة مشهد فكرة ( المكان/ النص / الفضاء / الزمن ) إذ أننا لاحظنا في الوقت نفسه بأن جوهر القول لدى الشاعرة قد جاء حلولا ظرفيا بهوية اطلاقية صوت الأنا الراوي و هذا بدوره ما يحتم وجود دوال فعلية حاضرة من زمن مخبوء البعد الدلالي الحاضر من ذات حيثيات المتكلم إزاء ملفوظات الرجوع الدلائلي من صوت الصورة الحلمية ، فعلى سبيل المثال ، شاهدنا بأن الشاعرة حاولت أثبات هوية المرسل أو المرسلة القولية بجملة ( إذ حط الرحال ) ثم نرى بعد ذلك موقعية المرسل اليه من بناء عضوية الجملة ذاتها ( في قريتنا ) و هذا النوع أو الجهة من المرسل اليه هو تأشير مكاني من مفهوم الاتصال الخطابي الى جهة المعلوم في الصوت المقطعي ( الجرذ / الرحال / قريتنا ) أن هذه العلاقة الخطية تمتد ما بين فعل الدوال و
بطريقة ايعازية مكملة للفظة التوكيد و التي هي ( ما أكل ) لتكون المقطعية بهذه الصورة عبارة عن انطلاقات فضائية في حيز المخبوء الحدثي من جملة صوت الحال الحاضر
( لكنه / أكل كل أوراقي ) و من هنا نشاهد بأن أدوات رصف هذه المقطعية قد جاءت على أساس أسباب تتشكل من علاقة
( الراوي / الدليل / الخطاب ) لذا نرى في مقاطع أخرى من القصيدة ثمة عنونة فرعية أخرى جاءت تحت أسم ( الرحيل )
حيث نقرأ من خلالها هذه المقاطع :
حين كان الحلم
تحت جفني
يرسم وجهك
تسربت جذور العمر ..
من شقوق منزلي
تفرعت فيه كفاية ..
قطفت أيامها ..
نثرتها على دروب الناس ..
عندما مرت الجموع ..
بسياقها الأزلي ..
من حدود هذه المقاطع نرى بأن الشاعرة راحت تترجم لغة
( المكان / الفضاء / الفراغ / الحب ) من حيزية استعمالها المعتاد في القصيدة الى لغة الحلمية و مستويات المخيالية و في شكل خاضع لسلطة ( أنا الشاعر ) على حين غرة نلاحظ بأن لفظة دال ( الحلم ) تشغل موقعية تصديرية من علاقة فعل ماضوي قد جاء بممنوح شكلية لفظة ( حين ) أي بمعنى آخر ان ظاهرية القول الافتتاحي هنا ، هو مبعوث بمصدرية
علامة ماضوية من زمن المشكل الدال للفظة ( كان الحلم ) فهنا سوف نشاهد قدوم جملة ( تحت جفني ) ليكتمل بها حضور دال ( وجهك ) و دال ( يرسم ) . أن الشاعرة لربما تحاول أحيانا معاودة رسم المسالك الوصفية و دون مؤشرات تمهيدية بمواقع الافعال المنصوصة في القول الشعري ، فمثلا ،نراها تدخل نص القصيدة الفرعية دون تحفظات ما بمراجعة كشوفية الحالة المشخصة في القول الشعري ، و هذا بدوره ما سوف يضع المقاطع الجديدة من القصيدة من زمن تسلسل الخطاب داخل مضائق خطوات قسرية من الضيق التفاعلي إزاء عناصر العلاقة العضوية من الاجراء الصوري في القصيدة ، فعلى هذا نرى مثل هذا القول و الذي هو في صلب
الحالة الاشكالية من النص ( تسربت جذور العمر ) فأنا كقارىء فقط لا أجد ثمة خلاصة صورية بإمتداد هذه الجملة بصلة بناء هذه الجملة من الموصوف ( من شقوق منزلي ) لأن نظام هذه الجملة هو مخالف لحدود بناء التمهيد الوصفي في استجابة حدوث و اصدار هذه الجملة الأخيرة ، فمثلا ما علاقة دلالة ( جذور العمر ) بمقطع مسارية دال جملة ( من شقوق منزلي ) : ألا ترى ماجدة ؟ بأن في هذا البناء التشبيهي و الأختزالي ثمة مفارقة في رسم حبكة الصورة القولية من زمن موضوعة هذه المقطعية ، لاسيما و أن مسارية جملة
( يرسم وجهك ) قد أتخذت لها موقع ختامي من حيزلفظة
( الحلم ) إذن ليس هناك من داعي دلالي من وراء مقولة جملة ( تسربت جذور العمر ) لأن حالة الرسم البرهاني في هذا المقام هي مخالفة تماما لحالة لفظة دال ( جذور ) :
قبلة ..بعد .. أخرى
أهديتك فمي ..
قناعا بعد الآخر
يتجعد ..
و أنا أقف
خلف الجمهور
الذي صفق طويلا
للمشهد ..
أعد أيامي
أتراها
تكفي لشراء الخبز ..
في قصيدة ( حكايا إمرأة من الجنوب ) هناك ثمة دلالات مركزية و أخرى ثانوية و هناك أخيرا وجود صوت شخصية مركزية هي مبعث كل هذه الأصوات الاسترسالية من زمن القصيدة ، وهذه المقاطع التي سوف تكون الأخيرة من اطار عرض مقالنا هذا ، حيث سوف نقول عنها بأنها مجرد
( أوراق شعرية إمرأة ) حيث تحاول التواصل و التلاقي مع
مستوى الحلم و مكانية الحلمية في النص الشعري . و لكن تبقى من جهة قصيدة ( ماجدة غضبان ) تعميق لفكرة أوجاع ومخلفات زمن الأنوثة العابرة في ( أعد أيامي / أتراها تكفي ) ما نفهمه من قصيدة الشاعرة هو انها مقابلة دلالية بين فكرة الأنوثة و بين تلك الأماكن الشعورية و بين مستوى الاحساس بضياع مقولة ( لا يدرك أن الأحلام إن صغرت / لا تكبر أبدا) . و في الختام أود أن أقول للشاعرة ان قصيدة ( حكايا إمرأة من الجنوب )ما هي ألا قطب من التواصل الجاد مع القصيدة ، غير أن الانجاز الأكبر هو على مستوى التخيل أكثر و الحلم بطريقة بناء علاقة حقيقية و مؤثرة مع صفات الأشياء و مع الايقاع الصوري الفعال في انشاء مواطن
الدلالات المكانية و الحلمية بشكل محفز في صوت القصيدة . و زيادة على هذا أقول مضيفا : أن نموذجية قصيدة ( حكايا إمرأة من الجنوب ) ما هي ألا مؤشر دلالي على سياق دينامي من زمن علامات مسارية مؤولات الدلالة الاظهارية الحلمية في النص ، أي بمعنى ما أن علاقة الصوت الشعري الدال في القصيدة بات يقودنا نحو ذوات الأمكنة و الأزمنة الداخلية في النص نحو حالة توافق أنتاجي صار يعكس المؤشرات على مرايا الدليل المرجعي الخاص في تضخيم و ابراز حالة المماثلات النصية الاظهارية من قيمة زمن الانتماء الانسجامي و الانتاج العام . و مجددا أجدني أقول ان هذه الشاعرة ( ماجدة غضبان ) هي صوت تأشيري بمكامن موهبة شعرية واعدة بكل مؤهلات و أمكانيات التواصل و الأنطلاق المؤثر فنيا ، فأتمنى منها المواصلة و النشر و القراءة العميقة و الكتابة بشكل يحفظ لها حرمة الاظهار الاول من زمن المدارات النصية الرصينة و الدالة .