من قاموس المفارقات التي تشتط في أتونها وتتخبط في خضمها التيارات الدينية بكل أطيافها وجميع مذاهبها ، هي إن كل فرقة دينية تنظر إلى نفسها كما لو أنها الممثل الشرعي الوحيد لسطان الله في شرعة عباده ، وبالتالي فلها – باعتقادها القاصر – وحدها ملئ الحق في ادعاء العصمة الإلهية ولغيرها الوصمة الشيطانية . وهو الأمر الذي أحال العامل الديني إلى عنصر فرقة وتخاصم بدلا”من أن يكون عنصر وحدة وتراحم ، كما أريد منه وشرع له في معظم النصوص المؤسسة وأغلب الأحاديث المعتمدة ، التي تعتبر من أهم المراجع / المصادر التي يحتكم إليها ويلتزم بها جميع المسلمين ، بصرف النظر عن تنوع شعائرهم واختلاف طقوسهم وتباين رموزهم وتعدد مراجعهم .
ولأن السياسة شأن دنيوي / مصلحي بامتياز يقوم على قاعدة الاختلاف وينهض على مبدأ التنافس ، فان أي محاولة لتوريط الدين بذلك الشأن قمين بتحميل هذا الأخير أوزار فعل الأول وزجه في أتون مغامراته . ولذلك نجد أن جميع الحركات الدينية التي استمالتها جاذبية السلطة وأغرتها هيبة الحكم ، لم تجعل فقط من لفظة الجلالة عنوانا”لكيانها السياسي فحسب ، كما لم تكتفي برفع اسمه شعارا”في برامجها الحزبية وإيقونة في أنشطتها الإعلامية فحسب ، بل وكذلك اتخذت من نصوصه المقدسة ورموزه المحرمة غطاءا”لتبرير صراعاتها الاستئصالية وشرعنة عنفها الدموي .
ولهذا فان عناصر تلك الحركات المتأسلمة أضحت تتعاطى التكفير البيني وتمارس القتل المتبادل ، بلا وزاع من دين ولا رادع من قانون ولا مانع من عرف ولا قامع من سلطة ، طالما أن القتل يتم باسم الله ووفقا”لشريعته ؟! . ولكن مهلا”يا سادة ؛ إن الله لم يكن إرهابيا” حتى تمارسوا همجياتكم المتوحشة وتطلقوا العنان لكراهياتكم المسعورة ، وتحللوا من ثم ما حرم الله وتبيحوا ما نهاكم عنه نبيّه ؟! . ألم ينهكم الله ربكم عن قتل النفس البريئة حتى وان خالفتكم بالاعتقاد والإيمان ، من منطلق القاعدة الإسلامية الذهبية التي تقول : لا إكراه في الدين ؟! . لماذا تجعلون الله شريكا”في جرائمكم البشعة وتقحمونه في ممارساتكم المخجلة ، في الوقت الذي تعلمون جيدا” إن الله منزّه عن نواقص عباده وعيوبهم ؟! . أي دين هذا وأي اله ذاك الذي يحضكم على (نحر) الناس الأبرياء كما النعاج ، وصرخة (الله أكبر) تعلو شفاهكم الملبدة برغاء المتعطش لدم الفريسه ؟! ، كما لو أن مشيئة إلهية أمرتهم بانتهاج مثل هذا السلوك الوحشي .
تأكدوا أيها الذين أغرتهم الشهوات الحيوانية وأغوتهم النوزاع البدائية ، أن الله برئ منكم ومن أفعالكم إلى يوم الدين ، ذلك لأنكم أغضبتم اراته ، وعصيتم أوامره ، ومزقتم دينه ، حرفتم نصوصه ، وشوهتم تعاليمه . لاسيما وان دينه الإسلامي هو دين تآخي بين المسلمين ومحبة بين المؤمنين وتعايش بين المواطنين !!.