إن نظام الحكم في العراق وفق الدستور الجديد نيابي اتحادي. وهذا النوع من أنظمة الحكم تعتمد على إجراء إنتخابات محلية في دوائر إنتخابية مقسمة على المدن والمحافظات والإقاليم. وتشكل الكتلة النيابية الأكبر الحكومة العراقية. إلى هنا سيضع أبسط مسؤول عراقي أصبعه في عين أكبر مواطن عراقي الذي ينتقد نظام الحكم لو خالف ما يجري الن هذا النظام. ولكن ما الذي جرى منذ 2005 في أول إنتخابات نيابية في العراق حتى الأن لكي يجعل الحكومة العراقية غير شرعية وإن أسفرت الإنتخابات عن فوز البعض وخسارة البعض؟
العقل والمنطق يقول إن الحكومات تنهض بعلمائها. والعقل والمنطق يقول المثقفون يبنون مستقبل البلدان بالتوعية. والعقل والمنطق يقول المختصون في مجال الحياة المختلفة يبدعون لكي ينهض الوطن. ولكن لا العقل ولا المنطق يقولان إن الرجل غير المناسب يجب أن يكون في المكان غير المناسب لكي تتم العملية السياسية قيصريا.
الحكمة من هذا المقال هو إن المراجعة البسيطة للتشكيلة الحالية للحكومة ستثبت إن العراقي مواطن إنسان غير واعي أبدا لما يجري فوق رأسه. وقبل مناقشة التشكيلة علينا أن نفهم شيئين: (أ) النائب أنتخبه الشعب فلماذا يضع الحماية ضد الشعب؟ (ب) النائب صوت الشعب فلماذا يصوت على قرارات ضد المواطن؟
لو أجاب النائب على هذين السؤالين لكثر الاستقالات من البرلمان لقناعة النائب إن لا دور له في الحياة العادية للمواطن بل له دور في حياكة المؤمرات والدسائس والاستماع إلى صوت من تحركهم الخيوط الخفية كالدمى.
وفيما يلي أعضاء الحكومة وشهاداتهم:
فؤاد معصوم (رئيس الجمهورية) بكالوريوس في الشريعة والقانون من جامعة الأزهر
السيد حيدر العبادي (رئيس للحكومة ) دكتوراه في الهندسة الكهربائية مكن جامعة مانجستر
سليم الجبوري (رئيس البرلمان) ماجستير في القانون من جامعة النهرين
نوري المالكي (نائب رئيس الجمهورية) بكالوريوس في أصول علوم الدين في بغداد
أياد علاوي (نائب رئيس الجمهورية) بكالوريوس طب من جامعة بغداد
إسامة النجيفي (نائب رئيس الجمهورية) بكالوريوس هندسة كهرباء من جامعة الموصل
بهاء الأعرجي (نائب رئيس الوزراء) بكالوريوس في القانون من جامعة بغداد
صالح المطلك (نائب رئيس الوزراء) بكالوريوس زراعة من جامعة بغداد
هوشيار زيباري (نائب رئيس الوزراء) بكالوريوس علوم سياسية من الجامعة الاردنية
ابراهيم الجعفري (وزير الخارجية) بكالوريوس طب من جامعة الموصل
روز نوري شاويس (وزير المالية) بكالوريوس في الهندسة الكهربائية من جامعة الموصل
عادل عبد المهدي (وزير النفط) ماجستير اقتصاد من جامعة بواتيه في فرنسا
سلمان الجميلي (وزير التخطيط) دكتوراه في العلوم السياسية من جامعة النهرين
حسين الشهرستاني (وزير التعليم العالي والبحث العلمي) دكتوراه في الهندسية الكيماوية
حيدر الزاملي (وزير العدل) دكتوراه في علوم الحاسبات من جامعة بترا الماليزية
محمد البياتي (وزير حقوق الإنسان) بكالوريوس علوم سياسية من جامعة بغداد
فلاح زيدان (وزير الزراعة) هندسة من جامعة بغداد
نصير العيساوي (وزير الصناعة) بكالوريوس أداب من جامعة الكوفة وماجستير قانون من جامعة الكوفة
طارق الخيكاني (وزير الإعمار والإسكان) تخرج من جامعة كربلاء الاختصاص غير معروف
باقر الزبيدي (وزير النقل) ماجستير هندسة مدنية
محمد شياع السوداني (وزير العمل والشؤون الاجتماعية) بكالوريوس علوم زراعية وماجستير ادارة مشاريع
قتيبة الجبوري (وزير البيئة) ماجستير طب مجتمع من جامعة تكريت
محمد إقبال (وزير التربية) دكتوراه ( فلسفة في التربية ) جامعة بغداد
ملاس الحسيني (وزير التجارة) ماجستير هندسة معمارية من جامعة بغداد
فارس ججو (وزير العلوم والتكنولوجيا) بكالوريوس هندسة من جامعة الموصل
عبد الحسين عبطان (وزير الشباب والرياضة) بكالوريوس أداب لغة انكليزية وماجستير علوم اسلامية
أحمد الجبوري (وزير الدولة لشؤون المحافظات وشؤون مجلس النواب) دكتوراه قانون من جامعة صلاح الدين
عبد الكريم يونس (وزير البلديات والأشغال العامة) بكالوريوس علوم رياضيات
عديلة حمود (وزيرة الصحة) دكتوراه في طب النساء والتوليد
فرياد راوندوزي (وزير الثقافة) بكالوريوس كيمياء من جامعة الموصل ودبلوم صحافة من كندا
قاسم الفهداوي (وزير الكهرباء) بكالوريوس هندسة من جامعة بغداد
حسن الراشد (وزير الاتصالات) غير معروفة
خالد العبيدي (وزير الدفاع) ماجستير علوم عسكرية دكتوراه علوم سياسية
ونرى في أعلاه إن المحل المخصص للكثير من الأسماء ليست في المناصب التي منحت لهم وفق التحصص الحزبي. وعليه فإن الحكومة العراقية غير قادرة بالمرة على إدارة شؤونها من قبل رجالها. وعليه، إدارة الدولة بهذا الكم الهائل من الوزراء والذين لا يتمتعون بالشهادات المطلوبة لإدارة ملقاتها تجعل من الحكومة العراقية ضعيفة وركيكة.
من ناحية اخرى، دعونا نذكر النواب. لا يشترط بالنائب أن يحمل شهادة محددة كي يمثل الشعب. ولكن الشهادة الجامعية الأولية أقل ما يمكن أن يحمله النائب كي يفهم ما يدور حوله. ولكن هل يمثل النائب الشعب حقا؟ هذا السؤال واجب الإجابة. ولكن من يجيب على هذا السؤال؟ أنا لم أنتخب. نعم شاركت في الانتخابات ولكني أبطلت ورقتي لكي لا تستخدم. ولم اختار احد. ولكن الكثير من الناس شارك واختار ومنهم من اختار نوري المالكي بنسبة تفوق 720 ألف صوت وأخرين اختاروا اياد علاوي بنسبة تفوق 200 ألف صوت. ولكن من تم اختياره ليكون رئيس للحكومة لا المالكي ولا علاوي بل العبادي الذي لم يحصل إلا على 5000 ونيف صوت. إذن هل هناك نظام ديمقراطي حقيقي في العراق؟ كلا، وأنا على استعداد أن اضع أصبعي هذه المرة في عين أكبر مسؤول يقول لي إن هناك ديمقراطية في العراق.
فنائب لا يمثل الشعب لأن النسبة التي حصل عليها في التصويت لا تؤهله للوصول إلى البرلمان يصوت في أمر يمس الشعب ومصيره ويتحكم في حياة الناس هي الديمقراطية الحقيقية في العراق.
ونعود إلى الوزراء. وزير الداخلية من خريجي الشريعة والادب الانكليزي وليس لديه أي خبرة في قونين الأمن الداخلي ولا عدد الدورات التي تخرج فيها ضباط الشرطة بقسميه كلية الشرطة معهد التطوير الأمني والإداري. ولا يعرف متى يوم الشرطة. ولا يعرف تسلسل الترقيات. ولا يعرف أنواع التشكيلات. ولا يعرف عدد القوى الداخلية الأمنية في العراق. هل يمكن أن يكون وزيرا للداخلية؟ المفترض من تحال إليه هكذا وزارة بعيدة عن إختصاصه يرفض لوجود الحس والواعز الوطني. ولكن غياب ذلك والسعي وراء الشهرة ووراء المنافع ووراء النفوذ يجعل من لا يحمل الشهادة حتى يسعى بل ويدفع المال والرشوة كي يحثل على المنصب.
وغيرها من الوزارات التي تحتاج إلى الخبرات الحقيقية لقيادتها نراها بيد اختصاصات ليس لها علاقة بالموضوع والغريب إن بعض اختصاصات الوزراء ليس لها حتى اقسام توظف حاملي نفس الشهادات! فوزير العمل مهندس زراعي ووزارة العمل كلها لا توظف المهندسين الزراعيين إلا في صيانة حدائقها إن وجدت! ووزير العدل حامل شهادة الماجستير في علوم الحسابات التي هي اختصاص علمي دقيق وليس لها اي صلة بالعدل ولا القانون. فكيف له أن ينصر المظلوم وكيف له أن يعرف طبيعة المواد القانونية التي يدير بها السجون والمحاكم في العراق؟ وكيف ستعامل مع مجلس القضاء الاعلى لو تسيس الأخير؟ فالقاضي سيدير عليه بعض الموجات التي لا يفهم معناها فيستمع وفي الاخير يقول (افعل ما تراه مناسب)، ويظلم الناس. ووزير المالية العراقي ذو اختصاص هندسة كهربائية فما الصلة بين المال والكهرباء غير دفع الفواتير الكهربائية وإدراج العائدات وكلها تتم عبر المحاسبين وليس المهندسين. إذن هل من مزيد.
ونقف ولو قليلا لكي نطلع على بعض الوزارات التي كان وزرائها من نفس اختصاصها: رئيس الجمهورية درس القانون ولهذا فهو مؤهل لقيادة بلد لأن القانون في صميم إدارة الحكومة، وكذلك سليم الجبوري لديه ماجستير في القانون وهو كذلك مؤهل لرئاسة البرلمان لأنه مطلع على القوانين البرلمانية، بهاء الأعرجي يمكنه إدارة الدولة بالنيابة لحصوله شهادة في القانون، هوشيار زيباري لديه شهادة العلوم السياسية ولذا فهو قادر على تولي منصب وزير الخارجية ونائب لرئيس الحكومة لأن العملين يصبان في اختصاصه، محمد اقبال دكتوراه في فلسفة التربية وهو المكان المناسب للرجل المناسب، احمد الجبوري دكتوراه في القانون لذا فهو مؤهل لنيل أي حقيبة حكومية ومنها شؤون المحافظات والنواب، الدكتورة عقيلة حمود طبيبة وهي أقرب للصحة من غيرها لذا نقول إنها في المكان المناسب، خالد العبيدي وزير الدفاع رجل يجمل الماجستير
في العلوم العسكرية ودكتوراه في العلوم السياسية لذا فهو اقرب إلى رئاسة الوزراء لأنه يحمل الصفتين السياسية والعسكرية التي تؤهله لنيل حقيبة رئيس الوزراء والقائد العام لقوات المسلحة.
والعجب العجاب إن الشعب العراقي ناقم على الحكومة وعلى البرلمان العراقي ولكنه في النهاية يذهب إلى صناديق الاقتراع ويقول الشيعي “اختار الشيعي ولو كان غير نزيه، لأنه على الأقل من طائفتي.” ويقول السني “انتخب السني لأنه سيرفع من قدري وينصرني.” ويذهب المسيحي إلى أبعد من ذلك ويقول “انتخب أبن طائفتي لأنه نصرة لنا.” وهكذا. وترجع الوجه نفسها إلى المقاعد نفسها. وترجع الحكومة نفسها بأماكن غيرها لنفس الأشخاص. وهكذا دواليك، حتى موت كل الحاليين واستبدالهم بأخرين شباب في حينها.
هل هذه ما آلت إليه الأمور في العراق؟
هل نرضى بهذا؟
لا يوجد من يرضى، والمثقفون يكتبون. ولكن أسمعت لو ناديت حيا، ولكن لا حياة فيمن تنادي.