22 نوفمبر، 2024 7:05 م
Search
Close this search box.

الواقعية السياسية المطلوبة في التعامل العراقي مع تحديات التطرف واﻻرهاب

الواقعية السياسية المطلوبة في التعامل العراقي مع تحديات التطرف واﻻرهاب

التصريحات  الصادرة عن المسؤولين الغربيين ، المشاركة بلدانهم في التحالف ضد داعش ، تحذر من التبشير بنهاية قريبة للتنظيم ، راسمة لمواجهة مفتوحة قد تمتد عبر سنوات عدة قبل الوصول الى تلك النتيجة . آخر هذه التصريحات ماصدر عن اعضاء اساسيين في المؤتمر الدولي لمكافحة اﻻرهاب في العاصمة الفرنسية باريس ، الثلاثاء الفائت ، والذي جاء منسجما مع تقارير رصينة سابقة لمراكز بحثية متخصصة ، وليتزامن مع تصاعد موجة جديدة من الحماس الذي اعتادت القيادات العراقية على اطلاقه كلما حققت قواتها تقدما على اﻻرض في معارك ميدانية محدودة .
مرد التباين في التقييم بين الشريكين ، الدولي والعراقي ، عائد الى اختﻻف المعايير  المعتمدة لدى كل منهما ، فإرادة القتال العالية بين عناصر القوات المسلحة والحشد الشعبي ورجال العشائر ، المدعومين بفتوى المرجعيات الدينية ، والمدركين لمخاطر انتصار العدو  ، وهو ماتعمل الحكومة على استثماره لرفع المعنويات المتراجعة إثر انتكاستي الموصل والرمادي وغيرهما ، لاتشكل سوى عنصر قابل للتبدل ولا يمثل مؤشرا كافيا لكسب الحرب من وجهة نظر التحالف الدولي ، وقواعد الحرب .
ايضا ، تداعي الثقة بين الحليفين ، العراقي والدولي ، يعمق الشكوك بطبيعة اهداف كل طرف لدى الآخر ، ويعقد التنسيق بينهما رغم قتالهما عدوا واحدا ، فزيادة دعم التحالف الدولي للحكومة العراقية المشروط بنجاحها في اقامة شراكة سياسية داخلية ، يواجه بقلق الأخيرة والفصائل المقاتلة معها ، حيث يريان في غالبية سكان المناطق المغتصبة خﻻيا نائمة وحواضن للعنف والبعث الصدامي ، ﻻيمكن الركون اليهم في ظروف ﻻتحتمل المغامرة ، عدا عن ان التحالف الدولي الذي تقوده الوﻻيات المتحدة ﻻيرغب في تحقيق انتصار هش ينتهي الى تكريس النفوذ اﻻيراني واشعال صراع طائفي قد يجدد التورط العسكري الغربي في العراق وسوريا بما يرتب من متاعب وتوترات مع شعوب المنطقة تضر بالمصالح الحيوية لدول التحالف في المنطقة .
حكومة السيد العبادي ، مضغوطة بسطوة عديد الفصائل المسلحة ، نواة الحرب الصلبة على داعش ، ﻻتملك خيارات كثيرة في التعاون المريح مع التحالف الدولي ، بلحاظ مشروعية قلق الأخير ، وبالنتيجة نجحت تلك الأوضاع بإزاحة السيد العبادي صوب ايران وروسيا واللتين لم تترددا في تزويد العراق بالسﻻح والمؤن والخبراء ، وربما المقاتلين . ومع ان تنويع مصادر تسليح الدولة يوفر لها بدائل آمنة اﻻ ان تأخر هذه الخطوة ، وفي وضع هش ، قد يشجع بعض الاطراف على التعامل وتوريد السﻻح للفصائل المختلة دون المرور بالحكومة الاتحادية .
ائتﻻف الوطنية ، الذي يتزعمه نائب رئيس الجمهورية الدكتور اياد علاوي ، ﻻيشكك بحتمية الإنتصار على الإرهاب في الجانب العسكري من الحرب اذا ماتم اعتماد ستراتيجية عسكرية وطنية تتكامل مع الجهد الدولي الحليف ، لوجود مصالح حيوية وارادة جدية مشتركة في دحر هذا التهديد المريع  ، على ان يغطي التنسيق جميع دول الاقليم بما فيها ايران ، اقرارا بمشروعية مخاوفها الامنية ، وفي اطار حفظ استقﻻل العراق وسيادته الوطنية ، مع لحاظ ان التعثر في المسار السياسي الوطني ، ﻻيحول دون بلوغ الانتصار العسكري حسب ، بل انه يهدد بنسف مايتحقق منه ، ويجعل النجاح قاصرا على تغيير عنوان الصراع وعناصره دون انهائه .
ان بيئة سياسية داخلية قلقة لاتوفر ارضية صلبة لبناء جبهة قادرة على تحقيق النصر وادامته ، وقد سقطت مثل هذه الرهانات عبر سنوات طويلة من العمل العسكري المرهق ، بما يكفي للعمل الجاد على الصفحة  السياسية المصاحبة والتي هي اساس الصراع ، للخروج من نفق الطائفية السياسية وإطلاق المصالحة الوطنية عبر مسارين متلازمين  اولهما : اجراءات ثقة فورية تعكس حسن النوايا على مستوى الخطاب والممارسة ، مثالها التعامل الجاد مع قضايا النازحين واطلاق سراح الآلاف من المعتقلين الأبرياء ووقف الملاحقات السياسية ، وصرف مرتبات واستحقاقات ضباط الجيش والمديرين العامين السابقين ، وثانيهما :بناء بيئة قانونية تدعم المصالحة الحقيقة عبر إلغاء وتعديل بعض القوانين وتشريع الأخرى ، في ميادين الإجتثاث والمخبر السري والتوازن الوطني والمؤسسات المنحلة وتعزيز المشاركة وغيرها .
ان التهرب من تحقيق هذه المقاربة اثبت فشله التام ، ولاتزال تداعياته قائمة وتدفع نحو استحقاقات اكثر مأساوية .
ان عمق العراق الاقليمي ، ببعديه العربي والاسلامي ، من اكثر العوامل ارتباطا بتحقيق المصالحة الوطنية ومغادرة الطائفية السياسية ، فالجغرافيا اوجدت منظومات من الحقائق العقائدية والعرقية والاقتصادية والثقافية لايمكن تجاوزها ، وان الاقرار بهذه الحقائق يستلزم اعتماد منهج سياسي جديد في العلاقة مع دول وشعوب المنطقة .
ان التهديد الذي تطلقه التنظيمات الارهابية صوب الجميع يمنح حكومات المنطقة فرصة الاصطفاف في خندق واحد لتجنب مصير وجودي ، وقد مثلت زيارة وزير الخارجية القطري لبغداد وتسمية العربية السعودية لسفيرها في العراق خطوتين حكيمتينارث الماضي الثقيل والكف عن الانسياق وراء التنافس المدمر ، وهو ماينبغي ان يحظى بتشجيع ودعم كل الفصائل العراقية في اعلائها لمصالح بلادها ومستقبل شعبها ، اذ ان انتشار الفوضى او انتصار الفكر المتطرف والجماعات الارهابية في اية رقعة من المنطقة او اسقاط اي من انظمتها في الوقت الحاضر ، سواء في السعودية او ايران او تركيا وحتى قطر ، يشكل عامل تهديد جدي لبلادنا وعنصر قوة لعدونا الاول داعش .
ان مصالح الدول لايمكن ان تبقى رهينة لعواطف عارضة ، ولا للتكسب السياسي الذي يتغذى على العقد التاريخية ، وينتهج التحريض على مفاهيم السلام والتوافق والمصالحة .

أحدث المقالات