تكريت .. مدينة أشباح تحكمها مليشيات لاتثق ببعضها!

تكريت .. مدينة أشباح تحكمها مليشيات لاتثق ببعضها!

بعد شهر على تحرير تكريت من سيطرة “داعش”، تبدو وكأنها مدينة أشباح يقطنها مسلحون ينتمون إلى الفصائل الشيعية والجيش والشرطة لا يثق أحدهم بالآخر، تكشف أحاديثهم المطوّلة عن قصص معارك صعبة وأحقاد عشائرية وعائلية ووعيد بالانتقام.
مهمة الذهاب إلى تكريت لم تكن سهلة، فالجنود الذين ينتشرون على الطرق المؤدية لها من بغداد وحتى مركز تكريت يبدون متعبين وبمزاج سئ، وهم لا يثقون بالغرباء كثيراً، فكل شخص في نظرهم هو عضو في “داعش” حتى يثبت العكس.
“نقاش” تجولت في تكريت التي كانت واحدة من أهم مدن “داعش” في العراق، ولكن الفصائل الشيعية تمكنت من طرد “داعش” منها في معركة شرسة بمساعدة الجيش وطيران التحالف الدولي، كما أنها تعرضت لعمليات سرقة للمنازل والمحال التجارية من قبل المقاتلين الجدد في المدينة.
هناك ثلاث قوى أمنية تتواجد في تكريت، أولها وأكثرها قوة هي الفصائل الشيعية وأبرزها “كتائب حزب الله” و”عصائب أهل الحق” و”النجباء”، والثانية هي قوات الجيش من وحدات مكافحة الإرهاب والقوات الخاصة، أما الثالثة فهي الشرطة المحلية وهي محدودة الصلاحيات وضعيفة.
وتتقاسم الفصائل الشيعية والجيش السيطرة على مناطق تكريت، وكل منطقة تم توزيعها إلى إحدى هذه القوات لتكون مسؤولة عنها، أحد ضباط الجيش طلب عدم نشر تفاصيل انتشار هذه القوات على المناطق في تكريت لأسباب أمنية.
التجوال في المدينة مهمة صعبة حتى لعناصر الجيش والشرطة والفصائل الشيعية، لأن كل قوة أمنية في منطقة ما لا تثق بأي قوة أخرى تدخل إلى منطقتها إلا بعد تنسيق بين القيادات وبعض الأحيان يفشل التنسيق، وتحصل خلافات وتشابك بالأيدي وتهديد بالسلاح.
المسؤولون المحليون غادروا المدينة لخوفهم من عمليات اغتيال، وهم يديرون شؤون مدينتهم من بغداد أو من سامراء، ويقول أحدهم لـ “نقاش” “إن الفصائل الشيعية تريد الانتقام من أي شخص وتعتبرنا خوّنة، على الرغم من مشاركتنا في عملية تحرير تكريت”.
ويقول ضابط برتبة عقيد في الشرطة لـ “نقاش” إن “اشتباكات تجري بين الحين والآخر بين قوات من الجيش وقوات من الفصائل الشيعية بسبب خلافات على من يحكم بعض المناطق.
ويضيف “الجيش يبحث عن المخربين والسارقين بأوامر من الحكومة ولكن مهمتهم تواجه صعوبة كبيرة ولا نعرف من يحكم المدينة، هناك العديد من الفصائل الشيعية وأفواج الجيش، وكل واحدة منها لا تحترم سوى قراراتها الشخصية، ومهمة التنسيق فيما بينها معّقدة جداً”.
في شارع “الباشا” وسط تكريت الذي يبعد 500 متر من مبنى المحافظة ويرتبط بالقصور الرئاسية التي شيدها الرئيس السابق صدام حسين، هناك عدد من المنازل المدّمرة بالكامل كُتبت على جدرانها أنها كانت لعناصر في “داعش” وهم من سكان المنطقة، بينهم شخص يعرفه جميع سكان تكريت واسمه “ناصر الأمونة” وهو قيادي في “داعش” تم تسوية منزله بالأرض تماماً، وبقي فقط حائط المنزل الخارجي كتب عليه عبارة “هذا بيت المجرم ناصر الأمونة”.
لا حياة مدنية في تكريت حتى اليوم، لا أسواق تجارية ولا مدارس وجامعات ولا مستشفيات ولا محاكم ولا مراكز للشرطة، أما سكانها النازحون عنها في مختلف أنحاء العراق ما زالوا ينتظرون قرار الحكومة بعودتهم، ويبدو إن الانتظار سيطول بسبب الإجراءات الأمنية.
أخطر ما سيواجه المدينة في الشهور المقبلة عمليات الانتقام والنزاعات العشائرية بين السكان، وفعلاً حصلت عمليات انتقام وقتل سرية بين سكان المدينة نفذها عناصر من الشرطة المحلية ضد بعض السكان الذين ينتمون إلى “داعش” وكانوا يعملون في خلايا نائمة قبل سقوط تكريت بيد التنظيم المتشدد.
المئآت من سكان تكريت الذين عملوا مع المتشددين هربوا من المدينة بعد تحريرها، واليوم يتوّعد عناصر من الشرطة المحلية هؤلاء بالقتل مع عائلاتهم، وهذه مشكلة كبيرة، لأن المئآت من العائلات من النساء والشيوخ والأطفال لن يتمكنوا من العودة إلى منازلهم.
تغطي كتابات كثيرة جدران المنازل والمباني العامة، غالبيتها ذات طابع ديني تشيد بالفصائل الشيعية وأخرى تشيد ببطولات المقاتلين، ومن بين العبارات التي تلفت الانتباه “جنود كربلاء مروا من هنا”، و”أبطال البصرة يهزمون الإرهاب”، وهناك عبارات تم شطبها بأمر من الحكومة كانت مكتوبة باللغة الفارسية.
ويمكن سماع الأغاني الدينية بصوت عالٍ من سيارات تابعة للفصائل الشيعية أثناء تجوالها في المدينة، كما تقوم سيارات أخرى بتوزيع الطعام على المقاتلين المنتشرين في المدينة، ويتم طبخ الطعام في الشوارع وبقدور كبيرة عبر تبرعات مالية من عشائر شيعية جنوب العراق، لأن الحكومة لا تستطيع في بعض الأحيان إيصال الطعام إلى الجنود والمقاتلين في المدينة بسبب البيروقراطية والفساد الإداري والمالي.
أحد مباني الشرطة غرب المدينة أصبح مقراً بسيطاً لإدارة العمليات، وتتواجد عجلات عسكرية تابعة للجيش والشرطة والفصائل الشيعية في باحته، ويناقش ضباط وقادة عسكريون منذ أيام وضع الشروط الضرورية لعودة السكان النازحين إلى المدينة، وتبدو الشروط معقّدة جداً.
الخوف من “داعش” ما زال موجوداً في تكريت من خلال المئآت من العبوات الناسفة التي تم إخفائها في الشوارع والمنازل والمباني الحكومية، ويواصل خبراء في الشرطة المحلية والجيش تفكيك المتفجرات ولا يمر يوم من دون اكتشاف عبوات ناسفة.
الفصائل الشيعية التي تسيطر على الجزء الأكبر من المدينة تواصل عمليات البحث والتفتيش بشكل يومي ويقول علي الموسوي وهو مقاتل في حركة “النجباء” لـ “نقاش” إن المقاتلين الذين يقودهم عثروا على هويات تعريفية وجوازات سفر لعناصر من داعش من جنسيات أجنبية ووثائق توضِّح كيف كان داعش يدير شؤون المدينة.
الموسوي قال إنه قبل أيام تم اكتشاف نفق سري تحت الأرض كان تنظيم داعش يستخدمه للتحرك والاختفاء، وبعد انسحابه قام بوضع المتفجرات فيه لتنفجر عند وصول القوات الأمنية إليه، ولكن تم اكتشاف الخدعة وفُككت المتفجرات.
بعد حوادث حرق المحال التجارية والمنازل التي جرت على يد عناصر من الفصائل الشيعية عقب تحرير المدينة، أصبح المقاتلون في تكريت لا يثقون كثيراً بالصحفيين بعدما كشفت الصحافة ما قاموا به من أعمال حرق وسرقة.
ترفض الفصائل الشيعية والقوات الأمنية التصوير عبر الكاميرا الشخصية للغرباء من غير القوات الأمنية، ولكنهم مستعدين لإعطاء الصحفيين والزوار صور التقطوها بكاميراتهم الخاصة.
منطقة القصور الرئاسية من أشهر مناطق تكريت وهي عدد من القصور المتراصفة مع بعضها بنائها الرئيس السابق صدام حسين في المدينة التي يعتز بها كثراً لأنه ولد فيها، وفي هذه القصور قتلت داعش 1700 عنصر من القوات الأمنية العراقية في حزيران (يونيو) 2014 وعُرفت فيما بعد بأسم “مجزرة سبايكر”.
اليوم هذه القصور أصبحت مقراً عاماً للفصائل الشيعية لقيادة عملياتها، وهي منطقة محرّمة للجميع ويُمنع أي شخص من الاقتراب إليها إلا بموافقة الفصائل الشيعية، وتجري في حدائق القصور عمليات حفر بحثاً عن جثث الجنود القتلى.
على الرغم من الدمار وآثار الحرب في تكريت وغياب السكان الذي جعلها مدينة أشباح، يقود شخص من سكان تكريت اسمه مجيد أبو وسام مجموعة من عمال النظافة في المدينة لرفع مخلفات الحرب وتنظيف الشوارع، ويقول “مدينتنا ستعود كما كانت ولكن تحتاج إلى بعض الوقت”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة