نجم العبدلي / مهتم بالقضايا القانونية والاجتماعية ومدافع عن حقوق الانسان
كتب على ضحايا العراق ان يعيشوا الظلم والمأساة مرتين، الأولى عند وقوع المظلومية والانتهاك بحقهم حتى أمست أوصالهم تحتاج إلى مسح ميداني بحجم خارطة العراق لجمع أشتاتهم المتناثرة، والثانية عندما لايجدون المدافع عنهم وسط زحمة الأحداث الجسام التي تتلاطم أمواجها، وإذا ما وجد بصييص الأمل المدافع عنهم يتصدى من هنا و هناك آخرون يصطفون مع الجلاد ضد الضحية يدافعون عن قاطعي الرؤوس بلا خجل ولا وجل بالموقف واللسان تارة والقلم تارة اخرى .
وجاء على شاكلة هؤلاء عبد القادر القيسي الذي عرف نفسه بأنه ( رئيس غرفة المحامين السابق في المحكمة الجنائية العراقية المركزية من عام 2004 الى 2012 ) في معرض رده على قرار مجلس النواب بإحالة جرائم داعش للمحكمة الجنائية العراقية الذي تلاه النائب عبد الهادي الحكيم في جلسة المجلس الثلاثين وحظى بإجماع أعضاء مجلس النواب حيث كان رد القيسي متناقضا وفيه خلط للأوراق، فهو لايكاد يُشكل حتى يقع بتناقض يحاول بكل ما اوتيه من حيلة للخروج منه يجد نفسه فقيرا بموازاة الدليل الذي يفتقر اليه .
واذا ما تتبعنا بعض ما اسماها “مطبات قانونية” و” تيه قانونية فاحش” حول القرار نجده استند الى مقدمة هي بعيدة كل البعد عن فحوى النص فإن المقدمة التي تخص عدم توقيع العراق على قانون المحكمة الجنائية الدولية ولذلك لا يمكن الإحالة اليها ، هذه المقدمة لاعلاقة لها بالقضية محل النقاش أصلا فلا حاجة اليها لأنها أجنبية عن الموضوع ، والمحامون الكبار يعرفون ذلك جيدا ويحصرون النقاش في القضية المعروضة للنقاش لا خارجها.
كما ان الفقرة اولاً والتي تحدث فيها عن ” ان جرائم تنظيم داعش الارهابي هي من الجرائم الواردة في قانون المحكمة الجنائية العراقية العليا رقم 10 لسنة 2005، ولا علاقة للمحكمة الجنائية العراقية بذلك ” نقول هي كذلك خارج نطاق النقاش أصلا، لأن إحالة مجلس النواب كان الى المحكمة الجنائية العراقية العليا ، وليست الى المحكمة الجنائية العراقية حتى تقول إنها غير مختصة بتاتا بالنظر في جرائم الإبادة الجماعية .
نقول : الفقرة الأولى خارج نطاق النقاش أصلا لأن إحالة مجلس النواب كان الى المحكمة الجنائية العراقية العليا، وليست الى المحكمة الجنائية العراقية حتى تقول إنها غير مختصة بتاتا بالنظر في جرائم الإبادة الجماعية. والمحكمتان منفصلتان عن بعضهما ولكل منهما قانونها الخاص بها.
ومع ذلك يمكن القول بأن الفقرتين من قانون المحكمة الجنائية العراقية وهما الفقرة : ( أ) الخاصة بالإرهاب ، وجرائم داعش إرهابية و الفقرة (هـ ) أعمال العنف بسبب ديني : وهي تشمل جرائم داعش أيضا ، أليست حروب داعش بسبب تفسيرها الخاطيء للدين ، أليست هي تحكم بكفر بعض المكونات العراقية ، أليس صراعها في العراق صراع من هذا النوع .
أعود فأقول : أليس من الغريب أن يفترض من يزعم أنه (محام قديم ) فرضا لا علاقة له بالقضية المطروحة ثم يناقش ذلك ويبقى ينفي ويثبت في قضية خارج الموضوع المطروح للنقاش أصلا .
اما في ( المطب القانوني الثاني ) على حدِّ تعبيره فهو ان المحكمة الجنائية العليا غير مختصة بهذه الجرائم ، مفصلا في ذلك بالقول : أن المادة الأولى من قانون المحكمة المذكورة تنص على أن ولايتها واختصاصها تسري علـــــى الجرائم المرتكبة قبل1/5/2003 أي الجرائم المرتكبة في عهد النــــظام السابق قبل سقوطه وبالتالي فإن جعل الاختصاص والولاية عن جرائم مرتكبة بعد هذا التاريخ أي بعد 1/5/2003، يتطلب تعديل قانون المحكمة؛ بحيث يتضمن إعطائها الولاية ومنحها الاختصاص في إجراء المحاكمة والمعاقبة على جرائم داعش الإرهابي بعد هذا التاريخ، وذلك يتطلب إعداد مشروع قانون من الحـــــــكومة وعرضه على مجلس النواب لتشريعه .
وهذا جزء من التغافل بعد ان أنقصته الحيلة، ولو قرأ جنابه طلب النائب الحكيم وقرار البرلمان لوجد فيه عبارة بعد تعديل قانونها ليمتد كي يشمل جرائم داعش الإرهابية ، فأين هو محل الإشكال وهل هذه ( هي مهزلة برلمانية) أم جهل فاحش من محام . ولا نطيل أكثر .
وهذا عينه ينطبق على اشكاله في النقطة ( جيم ) بقوله ” ان المحكمة الجنائية العراقية العليا وردت في باب الاحكام الانتقالية وقد حل مجلس النواب المحكمة الجنائية العليا بموجب قانون تعديل قانون المحكمة الجنائية العراقية العليا رقم (10) لسنة 2005 في 10/08/2009 ” ، ولو راجع صاحبنا المحامي المتخصص ما أصدره مجلس النواب لعرف أن مجلس النواب لم يحل المحكمة الجنائية العراقية العليا ، كما زعم أعلاه ، وها أنذا أضع أمامه وأمام القراء الكرام نص ما ورد في القانون ليتأكد.
وفيما يأتي نص المادة الثانية من قانون تعديل قانون المحكمة الجنائية العراقية العليا
“بناءاً على ما اقره مجلس النواب طبقاً لاحكام البند(اولا) من المادة (61) واحكام البند ثالثــاً من المادة (73) من الدستور.
صدر القانون الاتــي :-
رقم( ) لسنة 2011
قانون تعديل قانون المحكمة الجنائية العراقية العليا
المادة الثانية : تستمر المحكمة بهيئة تحقيقيه واحدة وهيئة جنائية واحده للنظر في الشكاوي الواقعة ضمن اختصاصها ” .
ومما زاد الطين بلة هي الفقرة الرابعة التي اعتبر فيها القرار قاصرا لعدم ذكره الجرائم الدولية وقال ” حيث وصف جرائم داعش بانها جرائم إبادة جماعية في حين ان جرائم داعش تنطبق عليها أيضا، وصف جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب ، وكما وردت في الاتفاقيات الدولية (روما لسنة1998 التي شكلت النظام الاساسي للمحكمة الجنائية الدولية وجنيف)، فكان من المفترض ان يتضمن القرار تلك الاوصاف . على حد زعمه .
ولا أدري لماذا لم يقرأ السيد المحامي نص ما ورد في طلب النائب الحكيم من البرلمان العراقي حيث أنه نص على ما يأتي ” لجرائم الإبادة الجماعية وللجرائم ضد الإنسانية ولجرائم الحرب (..) .أطلب إحالة ملف جرائم داعش ومموليها وداعميها بمختلف أشكال الدعم الى المحاكم الجنائية العراقية العليا بعد تعديل قانونها ليتسع فيشمل جرائم داعش …” الخ
لقد غفل او تغافل المحامي القديم عن ذلك أما لماذا فهذا متروك للقاريء العراقي الذي يقرأ بين السطور .
وفيما يتعلق بالنقطة ( خامسا ) والمتعلقة بقوله : ” لم يرد في قرار مجلس النواب بأن إحالة ملف داعش الى المحكمة الجنائية العراقية؛ لا يخل بمحاكمة مجرمي داعش من القضاء العراقي، لان القرار لو اعتبر نافذا، سيكون عائقا امام إحالة مجرمي داعش للقضاء العراقي، وتلك مثلبة بحق مجلس النواب .
وكأنه افترض بأن المحكمة الجنائية العراقية العليا ليست من القضاء العراقي ، وكأنه نسي أيضا أن المحكمة الجنائية العراقية تنظر في قضايا الإرهاب حسب الفقرة (أ) ، ولا شك بأن جرائم داعش هي جرائم إرهابية كما أن الفقرة (هـ) تشمل جرائم داعش لأن داعش جرائم تكفيرية .
ويقول السيد المحامي : “بهذه الطريقة الفجة والمضحكة، قام مجلس النواب بإصدار قرارا كان الغرض منه اعلامي وتحقيق مكاسب سياسية أكثر مما هو عمل يندرج ضمن الحملة الحقيقية ضد داعش الارهابي؛ والاسئلة التي باتت ملحة:
+ كيف نفسر اصدار قرار يتطلب قبله اجراء تعديل ليصبح الموضوع منتج قانونا؟
ما هي الفائدة القانونية التي تتحقق لنا من إحالة ملف داعش الى محكمة غير مختصة أصلا؟
لماذا لم يتم حث الحكومة العراقية بداية للانضمام الى معاهدة روما الدولية التي تلاحق مرتكبي الابادة الجماعية والاعمال ضد الإنسانية؟”
فنقول ردا عليه : وهل يحتاج قرار بطلب تعديل قانون الى تفسير، أو أن الاعتراض عليه هو الذي يحتاج الى تفسير؟
اما الفائدة القانونية فأحيل القاريء الكريم إلى قانون المحكمة الجنائية العراقية العليا ليجد أنها مختصة في النظر بجرائم الإبادة الجماعية وهو ما اعترف به السيد المحامي أيضا..
واما لماذا لم يتم حث الحكومة العراقية بداية للانضمام الى معاهدة روما الدولية التي تلاحق مرتكبي الابادة الجماعية والاعمال ضد الإنسانية؟
فلأن السيد المعترض – وهو محام وهذا من صلب اختصاصه – لم يطلع على مشروع قرار مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في دورته الثامنة والعشرين الصادر في شهر مارس / 2015 خلال مناقشته انتهاكات داعش في العراق ، والذي حث الحكومة العراقية ، وليس المحكمة الجنائية الدولية على تولي هذه المهمة ، وهو ما ورد في الفقرة الثانية من قراره الذي نص على ما يأتي :
” 2- يحث حكومة العراق على التحقيق في جميع ما يدعى من تجاوزات وانتهاكات لحقوق الإنسان وانتهاكات للقانون الدولي الإنساني” .
إن قرار مجلس النواب العراقي جاء متناغما مع قرار مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة سيفتح باب المحكمة الجنائية العراقية العليا لمحاكمة داعش.
بقي لي أن أشير أمرين لا يليقان بكل محام عراقي أو غيره وهما:
1- : وقوع السيد القيسي في أخطاء نحوية لا يقع فيها طالب مدرسة أبتدائية ، وأضرب مثلا على ذلك فقط، ولمن شاء أن يقرأ ما كتبه ليشاهد الأخطاء بنفسه . قال السيد المحامي : ” سيكون عائق امام إحالة مجرمي داعش للقضاء العراقي” وكان الصحيح لغة أن يقول ” سيكون عائقا …إلخ ” لأن كان وأخواتها ترفع المبتدأ وتنصب الخبر . أليس كذلك أيها المحامي القديم؟
2- استعمال السيد المحامي لألفاظ تهجمية لا يستعملها المحامي ولا الكاتب الذي يحترم نفسه خاصة وهو يتحدث عن مجلس النواب المنتخب من قبل الشعب العراقي فيصف ما يصدره بأنه من ” المهازل البرلمانية”، ويحكم على الدستور الذي صوت عليه الشعب العراقي بأن :” الأحكام الانتقالية الواردة في الدستور العراقي بالية ومهترئة”، ووصفه لقرار مجلس النواب بأنه قرار : ” فج ومضحك” ، و كذلك قوله : ” ان اللجنة القانونية غير مؤهلة لدراسة القوانين لجهلها بأمور بديهية” وقوله عن القرار الذي اصدره مجلس النواب بأنه ” تيه قانوني فاحش” و أنه ” مثلبة” و ” مطبات قانونية” وغير ذلك وهي كثيرة.
ويمكنك أخي المحامي القديم بعد أن تفتح المحكمة الجنائية العراقية العليا أبوابها لمحاكمة داعش أن تتوكل رسميا ، إن شئت عن داعش، لتعرض حججك المنطقية والقانونية المتقدمة وغيرها أمامها ، حيث لا اجد تفسيرا منطقيا لما أسميتها ( مطبات قانونية ) حول قرار يحفظ للشهداء وأيتامهم وذويهم الحقوق والالتزامات ويدني المجرمين من قصاصهم المحتوم .
ملاحظة : للتعرف أكثر على نشاطات السيد المحامي عبد القادر القيسي ليس على القاريء الكريم سوى أن يكتب اسمه في موقع جوجل (google) ثم يحكم والقرار الأول والأخير للأخ القاريء الكريم .