يحكى أن حاكماً ظالماً كان يقسو على شعبه كثيراً، وفي يوم إشترى ثوراً وأطلقه في المدينة، فسحق المزروعات وأرعب العوائل، وأخذوا يهربون منه خوفاً على أنفسهم، وجرت الأيام والناس على هذه الحالة، فخرج رجل من بينهم قائلاً: نجتمع ونذهب الى الحاكم، ونشكو حالنا ليتنا نستطيع إقناعه.
مرت عليهم أوقات عصيبة وهم مترددون بالذهاب، ولكن للضرورة أحكام فذهبوا جميعاً وقابلوا الحاكم، وتكلم الرجل نيابة عنهم وألتفت الى جماعته، فلم يجد أحداً خلفه ليسانده في شكواه ففكر، ثم قال: أيها الحاكم إن ثور جنابكم وحيد وليس سعيداً، فنرجو جلب بقرة أنثى يفرح بها ويسعد! فضحك الحاكم وقال: سنجلب له انثى، فتعجبوا من طلب الرجل وقالوا: ارسلناك لتشكو حالنا من فيل واحد، فكيف إن أصبحا اثنين! فقال الرجل: نعم بما أنكم تسكتون عن المطالبة بحقكم، فإنكم تستحقون ما يلحق بكم من الظلم والجور.
لا يعد الربح والخسارة في النزاع الطائفي ساحة للحرب والتنافس، ولا يصح ترك الخلافات تتطور دون إهتمام وحل مقبول، فالتوسط والإعتدال هما طريق الحرية، وإلا كان من الممكن لأهل المدينة أن يتفاهموا مع الحاكم، ويطلبوا منه وضع الثور في قفص كبير داخل حدائق قصره، بدلاً من إحداثه الفوضى والخراب، وقد حدث أن الناس لم يكونوا على قدر المسؤولية، وجبنوا في ان يطالبوا بحقهم، فما كان من الرجل الحر، إلا أن يلقنهم درساً في توحيد الكلمة والموقف، وبالتالي سيعانون من ضرر الثور والبقرة على السواء!.
في كل العصور والأحرار سائرون على طريق الجهاد والتحدي، وإن إختلفت أسماء طواغيت أزمنتهم، فهم أكثر عدوانية وحقداً على الشعوب، التي يحكمونها وكأنهم ولدوا ليفسدوا في الأرض، وما عمروها بل ملؤها قتلاً وتعذيباً وتشريداً وتهجيراً.
الذي يعيش طوال حياته سجين ذاته لا يستطيع التوجه نحو العيش الكريم، حتى ولو ملأ العالم بالصراخ والضجيج، فهو كالطفل النرجسي لا يدرك الفرق بين المقبول واللا مقبول في مجمل القضايا، التي تواجه بلده وعلى هذا فالأمة المثمرة، هي الأمة القادرة على التغيير، فلا يمكن قبول الحياة تحت حكم رجل سالت على يديه دماء الأبرياء، وأشاع التمييز الطائفي والعنف الدموي، طيلة أيامه السوداء وعليه فالحرية جنة فسيحة، لا يعكر صفوها إلا الحيوانات المجنونة.