في زمنٍ إمتلأت فيه المكتبات الوطنية بشتى المنشورات المؤدلجة من صحفٍ وكتبٍ ومجلات على تماسٍ مباشرٍ في شتى مناحي الحياة مدعومة بسخاءٍ من هنا وهناك وكان لها النصيب الأوفر في تضبيب المشهد الثقافي العام وفي خضم ذلك التباين اللوني والزحام الورقي تنبري (الرقيم ) بمهمة كبيرة كمجلة تعنى بالثقافة والفنون والآداب لتأخذ على عاتقها الإستمرار بالبناء الصحيح على ثيمات الثقافة العربية وفتح النوافذ لإستقبال الهواء النقي الصحي غاية في الحفاظ على روح الإبداع والحَراك الثقافي في المجتمع الرازح تحت كمٍ هائلٍ من وسائل التضاد التي تحاول تعطيل مهام ثقافة الأدب بدفعه الى الخلف لتتقدم عليه ظواهر الإنشطار والتشظي الفئوي والإثني بغية تمزيق الهوية الوطنية وتغليب الأخريات عليها غاية في تهميشها وإقصائها عن مشهد الواقع المعاش وفي ظل ذلك تقف (الرقيم ) عاملة على توحيد الجهد المثابر من أجل بقاء الحرف العربي مضيئاً في دياجير مفترضة أتت بها الثقافات الواردة تحت يافطة حرية التغيير والتعبيرالتي لم تكتسب منها الثقافة العربية في ظل خريف ثوراتها سوى التهميش والإنحسار والتقزيم في زمن سيادة العرق واللون والجنس والمحسوبية والمنسوبية والفئوية والتي كلها مجتمعة كانت منصهرة في ذات الثقافة قبل التغيير أما بعده فقد أضحت عوامل تدمير فاعلة هدفها تمزيق الهوية الثقافية وتشظيها الى ألوانٍ وفتافيت غاية في فرض نفوذ الثقافات الفرعية الأخرى عليها .
الرقيم قدرها أن تولد ولادة قيصرية في ظل هكذا ظروف لتحاول بكل ما أوتيت من قوة الفكر الخلاق والحرف النير الهادف الذي تتمتع به النخبة العاملة فيها من أدباء وكتاب ونقاد وفنانين فهم روافد عطائها الثر لمقاومة الجدب الثقافي والتواقون الى إعادة بناء صرح الثقافة العربية وفق ماهي عليه من سمات النبل والفضيلة والعطاء الأدبي الرصين ، فالمشروع اللاربحي واللانفعي الذي تبنته مجلة الرقيم يكاد أن يكون غريباً عن وسطٍ سقطت فيه الأقنعة وبان للعيان إن نسبة الباحثين عن المال والجاه والشهرة تفوق كل توقعاتنا وحساباتنا التي كنا نقيسها وفق الخط المستقيم للثقافة إذ إن الواقع أجهض ماكنا نتمناه وأشار بأن الأدباء من كتاب وشعراء وغيرهم قد إمتهنوا صحافة التكسب وأعدادهم في تضخمٍ وإزديادٍ مضطرد إزاء النخبة التي لازالت تقاوم وسائل الإغراء والإنحراف بصبرٍ ومثابرة لتثني المعاول عن تهشيم مابقي شاخصاً من معالم ثقافة الضـاد ومن اجل الحد من ظاهرة إقصاء المتن وتقديم الهامش وتضبيب الأبعاد الثلاثية للمشهد الثقافي وتعطيل أدواته تصدت الرقيم وأخريات معها لكي تقول وبصوت عالٍ حتى يسمعها من وضع في أذنيه القار إن الحرف العربي لازال كبيراً وثقافة الضاد لازالت بخير رغم معاناتها مما يحيق بها من مخاطر العابثين والمتشدقين بها والطارئين عليها ولكي لاتخور قوى المبدعين من كُتاب الكلمة الرصينة والفكر النير المعطاء ومن أجل كل ماتقدم إجتمعت فيها قراطيس الصبر ومداد الحكمة لتمضي بمشروعها لتثوير إبداع الذات العربية وعلى كافة الصعد الأدبية وفق
البناء الصحيح للإنسانية التوا قة الى الحرية والإنعتاق من أغلال العبودية التي هيمنت عليها زمناً من العقود والسنين العجاف .
يؤآخذ على الرقيم عند البعض بأنها مجلة نخبوية أي (مجلة النخبة) وهذا لعمري إعترافٌ بائن بسموها وتسامق قامتها لأن المجتمعات تقودها النخب ولا تبنى الأ بالإعتماد عليهم فهم النواة الفاعلة فيها والمؤثرة في مفاصلها كما هو الحال في الدول المتقدمة وحتى النامية والمتدنية فهي تعتمد في بناء كيانها على النخب السياسية والعسكرتارية في إدارة شؤون الدولة وحمايتها ولو تأملنا ملياً نجد إن الدول لاتتمكن من تحقيق ذاتها وأماني شعوبها لولا تأثر النخب وتنورها بالثقافة العامة التي منحتها المدد والفرصة من خلال تطويع الممكن لتحقيق أهدافها فالأمم المتعلمة المتحضرة هي التي تبني كيانات لها يشار لها بالبنان وترسم مستقبل أجيالها اللاحقة فتلزم الآخرين بالإقتداء بها ودراسة الإستراتيجية التي إعتمدتها في إحداث المتغيرات الإيجابية التي تخدم الإنسان أينما وجد .
من خلال قراءتنا للرقيم مند ظهورها قبل ثلاثة أعوام وحتى يومنا وجدنا إنها رسالة أساتيذ ومتعلمي أبجدية الثقافة العربية حصراً ولم تكن صوتاً للأميين والمتشدقين بها والطارئين عليها لذلك حظيت بإهتمام المؤسسات الفكرية الناشطة في ذات المنحى على خارطة الوطن العربي .. ونعتقد إن ذلك ماكان يدور بخلد رئيس تحريرها الأستاذ عباس خلف ورئيس مجلس إدارتها كبير مستشاريها الدكتور عبود جودي الحلي اللذين لم يدخرا جهداً من أجل إستمراريتها بالعطاء الفكري العربي صوتاً هادراً مؤثراً منطلقاً من بلاد الرافدين معلناً بأن الثقافة العربية هي الخيمة التي تتماهى فيها الألوان ويستظل تحتها المبدعون الذين يحملون جواز الثقافة متنقلين عبرها بين الأقطار العربية محتفين بتألق ثقافة الضاد المنتجة عبر العصور .
لقد وجدنا في الرقيم تلاقحاً مبهراً للأفكار وجهداً متميزاً في التحرير والإختيار أصبح صفة مميزة لها وعاملاً مكنها من الإنتشار على أفق مساحة الوطن العربي لأنها تمثل النخبة العاملة الفاعلة فيه من أجل الإرتقاء بالحرف والإنسان من الخليج الى المحيط وربما أبعد من ذلك لتثوير الذات الثقافية العربيه وعلى كافة أنماطها وصعدها وهي يقيناً الغاية التي وجدت مجلة الرقيم من أجلها وعملت على تفعيل أدواتها لكي تكون أو لاتكون في زمن البحث عن القشور وإهمال المضمون والخلود الى الهمس والظل والسكون .