صوت الكونغرس الأمريكي على مشروع قرار لجنة الشئون الخارجية يمكن بموجبه تسليح السنة والأكراد دون الرجوع للحكومة العراقية بفارق 60 صوت دون أن يكون له قوة الزامية على البيت الأبيض الذي يحتفظ سيده بحق النقض عليه ، طرح المشروع والتصويت عليه رافقته ضجة كبيرة في الأوساط السياسية والشعبية العراقية على أثر ورود مفردة “دولتين” في أشارة لكلا من سنة العراق وأكراده وهو ماعده كثيرا من العراقيين دليلا أضافيا على رغبة أمريكية بتقسيم البلاد.
وبالعودة لحيثيات القرار الأمريكي نجد ان ذكر مفردة “الدول” كان مقصودا لاضفاء المشروعية على الدعم المقدم لأن القانون الأمريكي لايجيز تسليح أطراف مبهمة أو غير معترف بها كأنظمة رسمية ومن هنا يمكن فهم موقف واشنطن من تسليح المعارضة السورية .
عراقيا رفضت الحكومة والقوى السياسية الشيعية رسميا القرار وصوت البرلمان بالأغلبية (رغم انسحاب الكتلتين الكردية والسنية) على رفضه أيضا في حين رحبت القوى السياسية السنية والكردية به رافق ذلك حملة رفض وقلق شعبي من مآلاته وتختلف دوافع الأطراف في رفضها أو قبولها للقرار كلا حسب موقعه ففي حين يرفض المواطن البسيط القرار لاعتقاده بخطورته على وحدة البلاد ترفضه القوى السياسية الشيعية كونها المستهدف الرئيسي به فالقرار ينهي هيمنتها التامة على الدولة والأجهزة الأمنية وسطوتها الكلية على المجتمع في العراق منذ عام 2003 وتختلف دوافع رفض القرار لدى الحكومة والتي ترى فيه تقويضا لسلطتها على أجزاء واسعة من العراق في حين ترحب العشائر السنية بالسلاح القادم لها من أي جهة كانت وهي التي تخوض قتالا ضاريا في الأنبار تحديدا لتحرير المحافظة من تنظيم داعش بينما تعتبر القوى السياسية السنية القرار بمثابة حجر الأساس لاقليم سني سيكون تشكيله الاداري سهلا بعد ضمان السلاح اللازم لتأمين قيامه وعلى ذات المنوال
يبدو الكرد متحمسين لسلاح سيكون عاملا أضافيا مشجعا بعد النفط والاستقلال الاداري الشبه تام للمضي قدما بمشروع الدولة الكردية .
عمليا يمكن فهم سياق القرار في ظل الصراع الأمريكي الايراني على صياغة مستقبل عراق مابعد داعش فالايرانيون يفضلون هيمنة شيعية شبه مطلقة مع هامش سني وكردي محدود ويدفعون بهذا الأتجاه بتسليح ودعم قوات الحشد الشعبي فيما يفضل الأمريكيون مايطلقون عليه “توازن القوى” أو مانطلق عليه ب “تثليث السلطة” للحيلولة دون أنفراد طرف معين بها واضطهاده لباقي المكونات وهو مايسهم بتحقيق السلام وفي هذا الأطار يندرج القرار .
ان نصوص القرار تأتي تعبيرا عن رأي عام يسود دوائر صنع القرار في واشنطن مفاده عدم الثقة المطلقة بقدرة الحكومة العراقية على تخطي التأثير الايراني والقيام بتوزيع عادل للسلاح بين مقاتلي كافة المكونات كما انه لاينص صراحة على التقسيم الذي يمكن أن يكون نتيجة لتداعياته في ظل وجود أطراف متربصة لحصد ثماره مبكرا وهو مايفسر توقيت زيارة السيد البارزاني للولايات المتحدة وطرحه لموضوع الدولة الكردية (والتي أصبحت كالقدر المحتوم الذي لامفر منه) للمرة الأولى وبشكل مباشر أمام مضيفه الرئيس أوباما .
ختاما فان على العراقيين أن يعو جيدا بان قرار التقسيم هو عراقي بامتياز وان لا قدرة لأي قوة خارجية بفرضه على أرض الواقع مادام هناك وعي و ارادة لدى مختلف المكونات العراقية وان الامريكيين لم ولن يقسموا العراق بل هم وكعادتهم يعملون على استغلال الظروف لتحقيق مصالحهم الذاتية ، فنحن العراقيون من مهدنا الطريق لهم لاصدار مثل هذا القرار وعمليتنا السياسية هي التي قضت على هويتنا الوطنية وأحيت فينا الهويات الفرعية المذهبية والعرقية والمناطقية والعشائرية ونحن من أستدعى الخلافات التاريخية ليعكسها على واقعنا الحالي وندمر بها بلدنا ونسفك بها دماء أبنائنا ونقتلهم شر قتلة على الهوية والأسم !! ونحن من ذهب لانتخاب الفاشلين والفاسدين تحت شعار “نصرة المذهب” ليتفرغوا للنهب المنظم لخيرات البلاد فلا مذهب نصر ولادولة بنيت ونحن من قسمنا العراق بتصرفاتنا وأفعالنا وسياساتنا الطائفية المريضة منذ عام 2003 ، فلا يمكن لك أن تتمسك بوحدة العراق وأنت تمزق نسيجه الاجتماعي بأحداث وقعت قبل 1400 عام ولايعقل أن تدافع عن وحدة العراق وأنت تخون كل من يسعى للتقارب مع باقي مكوناته وتتهمه بالانبطاحية أو بجماعة اخوان سنة وشيعة (من باب الاستهزاء) ولايتصور حبك للعراق وأنت تنعت شعبه بالصفوية والعثمانية والروافض والنواصب ولايقبل طرحك المنادي بوحدة العراق وأنت لاتحترم خصوصيات الطائفة الأخرى وتكفرها وتهين رموزها (الكلام موجه لكلا الطرفين) ، فالكثير منا لايحب العراق بقدر مايعشق حكمه والأكثر منا لم يتعلم ليومنا هذا ان الوطنية أفعال لا أقوال … نحن مقسمون فعلا دون أن نشعر وبغبائنا وجهلنا لا بمكائد ومؤامرات غيرنا كمانعتقد.