دخل العراق عام 2015 مثقلاً بالهموم ومحملاً بالإرث الفاسد المستشري في مؤسسات الدولة ، بلداً يدور في طاحونة العنف الطائفي والأزمات والصراعات ، ليجد نفسه بمواجهة تحديات خطرة عليه تجاوزها لعله يقف مرة ثانية ويعبر هذه المحن ويخرج قوياً متماسكاً ويبعد عنه خطر التقسيم .
حكومة السيد العبادي ورثت تركة ثقيلة من الازمات والتي هددت البلاد بالصراع الطائفي أكثر من مرة راح ضحيتها آلاف من الأبرياء بين قتل وذبح وسيارات مفخخة وعبوات ناسفة ، حتى أمسى ساحة اختبار للسلاح ، وحكومة فاسدة تدار بالوكالة من مكتب رئيس الوزراء ، ناهيك عن الإعلان الرسمي عن إفلاس المصارف الحكومية إي بمعنى خزينة الدولة خاوية تماماً ، الى علاقات سيئة مع الجيران والعزلة الإقليمية والدولية التي تعرضت لها العراق ، والإبعاد الدولي عن دائرة الاهتمام ليبقى البلد وحيداً في مواجهة الخطر الجديد ( داعش) والذي استطاع في حزيران 2014 من هزيمة جيش الدولة الرسمي والذي انهار تماماً وبسهولة امام هذا التنظيم والذي بلغ تعداده بالمئات امام جيش يبلغ تعداده فقط في الموصل 50000 الف مقاتل ، واسلحة واعتدة تقدر بـ21 مليار دولار كلها ذهبت غنائم حرب عند عصابات لاتملك اي غطاء شرعي او قانوني ، والذي نجح بجدارة في احتلال 30% من مساحة البلاد ؟!!
عام 2015 من الاعوام المأساوية التي مر بها العراق وبمنعطف خطير جداً ، لان الارهاب يشكل أخطر تحدي يواجه الدولة العراقية ، فقد سيطر هذا التنظيم على ثلث مساحة البلاد وبفترة زمنية قصيرة جداً ، امام انهيارات كبيرة للقوى الامنية بمختلف صفوفها في الموصل وصلاح الدين والانبار ، الامر الذي اصبحت الارض والبشر مستباحة امام الدواعش والتي باتت تحت سطوتها ووحشيتها ، حتى وصل تهديد هذه المجاميع الارهابية الى بغداد ، ولولا صوت المرجعية الدينية العليا الحاضر دائماً عند كل الازمات عبر ندائها بفتوى ” الجهاد الكفائي” والذي يهدف الى حماية المراقد المقدسة في صلاح الدين ، الامر الذي دفع الاف من الشباب للتطوع تلبية لنداء المرجعية ، في حماية هذه المراقد المقدسة ، وتحويل هدفها نحو تحرير واستعادة الاراضي المحتلة من “داعش” ، والتي تمكنت مع القوات الامنية من طرد هذا التنظيم من عدة مناطق في ديالى وبعض نواحي صلاح الدين والانبار .
الدولة العراقية تعاني اليوم من الوجه الثاني للارهاب الا وهو الفساد المستشري في مؤسسات الدولة حتى اصبح ظاهرة عامة في جميع المؤسسات الحكومية ، الامر الذي يشكل اضراراً خطيرة يلحقها بالبلاد وسطوته على مقدراتها والتلاعب بمصيرها والذي ادخل البلاد في نفق الافلاس والذي لا نعلم متى ينتهي خصوصاً مع الانخفاض الغريب والخطير في اسعار النفط مع اعتماد 95% من ميزانية الدولة على واردات النفط ، والهدر الخطير لمليارات الدولارات على اكثر من 6000 الاف مشروع وهمي في الحكومة السابقة ، وانفاق رواتب تقدر بالمليارات على موظفين وهمين ومن مختلف المؤسسات خصوصاً في المؤسسة العسكرية والذي وصلت الاعداد الوهمية فيها الى أكثر من 50000 الف منتسب وهمي .
امام كل هذه الملفات الخطيرة عمل السيد العبادي على وضع آلية لمحاربة ومواجهة هذا الفساد وبشكل سريع ، الامر الذي دعى حماة الفساد الى اعلان الحرب هذه على الاجراءات من خلال اثارة المشاكل ، ووصل الامر الى التهديد الصريح بالاغتيال والذي اعلن عنه السيد العبادي اكثر من مرة ، ولكن اصراره في الوقوف بوجه المفسدين جعل الامور تكون اصعب في قلع جذور الارهاب الثاني الا وهو الفساد .
ربما عام 2015 سيكون عاماً صعباً جداً امام كل هذه الصعوبات والازمات وعلى الحكومة العراقية السير والعمل بصورة متساوية بين قتال داعش وبين قتال معاونية الفاسدين ، لان هذا هو الاختبار الحقيقي للسيد العبادي وحكومته والتي نالت الثقة بعد مخاض عسير كادت ان تطيح بالعمل السياسي برمته ، لذا عليها نفض غبار الضغوط الحزبية عن كاهلها ، وتبدأ اولاً بمحاربة رؤوس الفساد الارهابي ومحاسبتهم وارجاع الاموال التي نهبت وسرقت من الاموال العامة ، والتي ملئت بها المصارف الخليجية والأردنية واللبنانية ؟!.
اعادة مد جسور الثقة مع جميع الفرقاء السياسيين هو الامر الذي يجب ان يأخذ طريقه من خلال عقد جلسات مصالحة وحوار مع الجميع ، والتصارح ومن ثم التصالح ، ليعرف ذي حق حقه ، وكل ذي واجباً يعرف واجبه تجاه وطنه وشعبه .
هناك تحدي آخر يواجه السيد العبادي الا وهو تفتيت العزلة مع المحيط العربي ، ومد الجسور نحو المحيط الاقليمي العربي والاسلامي ، لاننا اليوم بأمس الحاجة لترميم هذه الثقة والانتقال الى مرحلة التعاون المثمر دون التدخل بالشؤون الداخلية للبلاد .
خطوات مهمة يقوم بها السيد العبادي في تصحيح المسارات الخاطئة ، والسعي نحو التغيير ، ولكن هذه الخطوات يجب ان تصاحبها غطاءً من التحالف الوطني ، كونه اليوم يمثل الخيمة الاكبر والتي تمثل الاغلبية في البلاد .