تفاجأ العراقيون ( المساكين ) الذين تسرق أموالهم كل يوم ويزفون شهدائهم ويبتلون بجرحاهم ومرضاهم واغلبهم يتدبر أمور معيشتهم اليومية بصعوبات بالغة , بقيام وزارة الكهرباء بإصدار تسعيرة جديدة لخدماتها المتعثرة منذ سنوات , والمشكلة إن هذه التسعيرة لم تعرض على الناس لإبداء الرأي بخصوصها أو الاستفتاء عليها , وإنما عرضت على مجلس الوزراء ليسارع الأخير للمصادقة عليها على الفور , والغريب في الأمر إن وزير الكهرباء والناطق الإعلامي لوزارته اعتبروا هذه التسعيرة انجازا كبيرا لصالح الفقراء , عندما ذكروا بان من يتقشف في استخدام الكهرباء ويستخدم بما لا يزيد عن 5 امبيرات يوميا سيدفع 15 ألف دينار شهريا لوزارة الكهرباء , كما قال الوزير الفهداوي بان التسعيرة الجديدة ستخفض الاستهلاك إلى 30% دون أن يذكر الأسس والمعطيات التي استند إليها وكأن العراقيين ليست لديهم معرفة في التحليل ودراسة المعطيات . وأعلنت وزارة الكهرباء، أن التسعيرة الجديدة التي وضعتها مؤخراً قد تضمنت الدعم الحكومي لقليلي الدخل ليصل إلى 82% , ومن حق المواطن أن يسأل إذا كانت الخمسة امبيرات تكلف المواطن 15 ألف دينار بنسبة دعم 82% , فما هي كلفة إنتاج الأمبير الواحد عن استبعاد الدعم , والجواب إن الأمبير الواحد يكلف 16 ألف دينار على الأقل بموجب هذه الحسابات , ونعتقد إنها كلفة عالية إذا ما تمت مقارنتها مع الدول الأخرى , والسبب يعود إلى عدم إتباع أساليب الكفاءة ووجود البطالة في اغلب الفعاليات , وليس هذا اكتشاف جديد وإنما مسالة يمكن معرفتها ببساطة من خلال التعرف على نسبة المهندسين والفنيين إلى مجموع العاملين في وزارة الكهرباء , كما يمكن معرفتها من خلال الرواتب العالية التي تدفع لموظفي الكهرباء التي تصل فيها المخصصات إلى 200%, والتي تعد الرواتب الأعلى في الدولة بعد العاملين في المنطقة الخضراء والرئاسات الثلاثة , ويلاحظ إن التسعيرة التي وضعتها الوزارة لم تستند إلى أسس موضوعية بالكامل , حيث إن استهلاك 5000 وحدة تكلف 750 ألف دينار للنوع المنزلي و1,080 مليون دينار للنوع التجاري و750 ألف دينار للنوع الحكومي و500 ألف دينار للنوع الزراعي و630 ألف دينار للنوع الصناعي ,
وتدل هذه التباينات على إن الهدف ليس ترشيد الاستهلاك وإنما أغراض أخرى غير معروفة , وربما الغرض هو زيادة إيرادات وزارة الكهرباء والتغطية على نفقاتها العالية جدا , ولو كان الهدف هو الترشيد , فهل إن الوزارة ودوائر التوزيع فيها لديها القدرات الحقيقية على حماية خطوطها من التجاوزات أولا وجباية الإيرادات وتنفيذ أوامر القطع بحق المخالفين ؟ ومن جانب آخر فهل إن العمل بهذه التسعيرة سوف يجعل المواطن لا يلجا إلى استخدام المولدات الإنتاجية والمنزلية ؟ إذ لا يجوز أن نفرض أجورا عالية والوزارة لم تستكمل إجراءاتها في توفير كامل الاحتياجات للمواطنين لحد الآن , فالمواطن من الممكن أن يتفاعل مع الوزارة في مسالة ترشيد الاستهلاك بشرط الاستغناء عن البدائل الأخرى التي يضطر لاستخدامها في توفير احتياجاته من الكهرباء , كي يكون هناك مصدرا واحدا لدفع أجور الكهرباء وليس تخصيص جزءا مهما من المدخولات العائلية للكهرباء الوطنية وغير الوطنية , وبصراحة نقول بأننا لم نتوقع قيام السيد قاسم الفهداوي بالموافقة على هذه التسعيرة , لان خطته في بداية تسنمه المسؤولية في وزارة الكهرباء كانت تركز على الاستثمار وليس تحميل المواطن مسؤولية الفشل في الكهرباء , والمواطن لا يمكن أن يتحمل هذا العبء لان ما انفق من مبالغ كبيرة في الاستثمار والتشغيل والتي هي من أموال وثروات الشعب والتي يقال إنها تجاوزت 30 مليار دولار , لا يمكن أن تتحول إلى غرامات بهيئة زيادة في أجور الكهرباء , ولكي تستقيم مسيرة الكهرباء وتؤدى المهام بالشكل المطلوب , فانه من الضروري إعادة هيكلة وزارة الكهرباء تمهيدا لإلغائها وتحويلها لشركات تعمل إلى جانب الشركات العالمية , لأنها تحولت إلى بيروقراطية إدارية تستنفذ الكثير من أموال العراقيين بدون حلول , فالوزارة بوضعها الحالي لم تعد تنفع بل أصبحت تعاني الترهل وعدم القدرة على ولوج الحلول , وليس هذا انفعالا على التسعيرة الجديدة التي سوف لا ترى النور من الناحية العملية , وإنما من باب تحقيق الكفاءة والفاعلية بالشكل الاقتصادي الصحيح .