20 ديسمبر، 2024 9:20 ص

المكان النجف الأشرف, الحدث طابور طويل ينتظر فيه المواطنين أدوراهم لأكثر من ساعتين, بعد أن يمر الوقت المحدد يصل المنتظرون ألى الهدف الذي جاءوا من أجله دكة المغتسل ليغسلوا فلذات الأكباد وقرة الأعين, وبعد ذلك توارى أجساد الشهداء الثرى, ثم تغزو سرادق العزاء الشوارع فتكسوها بالسواد.

بعد أن أنقضى يوم طويل متعب على مغسل الموتى, يبدأ يوم آخر وبنفس الطابور والزحام ومعدل الوقت السابق, ساعتان تجمع بين الموت والحياة, أذ يحظى الأهالي بذلك الوقت مع أجساد الأحبة المسجاة في التوابيت, ليحين بعد ذلك الفراق الأخير لحظات تعادل عمراً, فهي تمنحهم الحق لرؤية وجه عزيز سيغيب بعد أنقضاء الوقت.

الطابور طويل جداً, ولحظات العذاب أطول بكثير, الا أن بعض الناس يتمنى أن يحظى بالوقوف في ذلك الطابور, ليدفن عزيزه حتى يستريح من عذاب مختلف كالذي تعانيه الحاجة أم محمد من أهالي البصرة, فهي تبحث عن أجساد فلذات الأكباد الثلاثة, ولم تعثر عليهم لغاية اليوم تلك المرأة تخرج كل صباح ألى منطقة ترابية أمام منزلها, وتأخذ ثلاث قطع من القماش تحفر ثلاث حفر, حفرة لكل قطعة تدفن تلك القطع ثم تستخرجها مرة أخرى, وهي على ذلك الحال منذ أن غاب أبناؤها الثلاثة وأهالي البصرة يعرفون جيداً تلك القصة.

ثلاجة الموتى التي غصت بشهداء الحشد والجيش أصبحت مقصد الباحثين عن قرة الأعين, إذ تزدحم الممرات ويقف الناس أمام ثلاجة الموتى لأستلام جثث أبنائهم أو لمحاولة البحث بين وجوه الموجودين فيها عن أحبة غائبين, هذا هو واقع حال الغيارى من أبناء الشعب العراقي بمختلف طوائفهم.

وحدة الدم والموت لم ترق لكبار رؤوس الفتنة والطائفية, فأخذوا يبحثون في جيوب أبناء جلدتهم الفارغة, حتى من ثمن الأجرة ألألتحاق بالمعسكرات عن ثلاجة يبدوا أنها جمدت الغيرة في عروقهم أن كانت موجودة أصلا, فهم لم ينتفضوا لسبية مسيحية أو أيزيدية أو مسلمة من حرائر الموصل, وهم يشاهدون مقاطع اليوتيوب كيف ينادى وريث الطلقاء من السعودية في شوارع نينوى” اليوم يوم السبي سعر السبية يعادل بطانية واحدة, أو مسدس أمنحني أي شيء مقابل السبية”

هكذا كان يردد الوضيع في شوارع الموصل, بينما كان الآخر منهمكاً بتقييد أيادي السبايا, مشهد أعاد ألى الأذهان عصور الجاهلية, وكأنهم لم يسمعوا من قبل بنبي عظيم أسمه محمد ( عليه وعلى أله افضل الصلاة وأتم التسليم), فأين كانت غيرتكم أنذاك أيها الثائرون من أجل الثلاجة, وأنتم تشاهدون أبناء الزنا يقتادون الحرائر ألى أسواق النخاسة؟

هجمة باردة على الحشد الشعبي, أبرد من دم بعض الساسة من السنة والشيعة المتصارعين على الكراسي, ممن أمتلأت كؤوسهم بالدم بدلاً من الخمر.

في وطني يقف الشرفاء بصفوف طويلة أمام ثلاجة الموتى لأستلام فلذات الأكباد ويتزاحم الأهالي المفجوعين على دكة المغتسل, بينما يكرس الخونة جهودهم لتشويه صورة من يدافعون عن وطن دنس أرضه أفغاني وسعودي وشيشاني, فقط لأن دول الجوار تدفع الأموال لشيوخ الفتنة من أجل ذلك.

بين أبناء هذا الحشد سني غيور من أبو النمر أو الجغايفة, وبينهم غيارى من أبناء تكريت ترى في وجوههم وعيونهم الشهيدة أمية جبارة, بين أبناء هذا الحشد شيعي غيور من أهالي العمارة, وبصري لم يمنعه العوز وضنك العيش من الألتحاق بأخوته, بين أبناء هذا الحشد مسيحي يأثر لأخت مسبية, أو أم ضربت حتى الموت بين أبناء هذا الحشد سماوي مسن لم يمنعه الكبر من الدفاع عن الأهل والوطن, وبين أبناء هذا الحشد صورة وطن لن تجمدها ثلاجتكم!!

أحدث المقالات

أحدث المقالات