زلزال النيبال ليس سوى فقرة في سيرك دولي. أزمات الشرق الاوسط وضعت في متاحف السياسة الامريكية، حرب اليمن قتال بين الاخوة عتاده الورد والقات. وليس ثمة قتلى في الحرب السورية سوى أولئك القادمين من الفضاء الخارجي. لم يعد ثمة جوع في أفريقيا، وليس ثمة أزمات سياسية في جنوب أمريكا. الاسرائيليون خرجوا طوعا من الاراضي الفلسطينية ورشحوا رجلا من الفلاشا لقيادتهم في المرحلة المقبلة. ثقب الاوزون تلاشى بفعل دعوات وقلق السيد بان كي مون. ولم تعد تقض مضاجع أعضاء الكونغرس الامريكي سوى الازمة العراقية.
شعب لا يستحق الحياة، هكذا يبرر جندي أمريكي متهم بقتل عشرات العراقيين الابرياء فعلته امام القضاء. وهذا هو ذات الشعور الذي يستوطن صفحات كتاب عامي في العراق الذي يترجم انطباعات الحاكم المدني الامريكي في العراق بول بريمر. وهو ذات الشعور الذي يسود قبة الكونغرس الامريكي.
سيناريو الحرب الطائفية الذي رسمه الجنرال بترايوس عامي 2006-2007، نجح في قتل آلاف العراقيين ضمن كرنفالات السعار الطائفي، لكنه فشل في تقسيم العراق. ومثل منحدر الهي، بقيت خطة بايدن تقضم من جرف الوطنية العراقية طالما توفر لها سياسيون يعانون من الدوار الطائفي الذي يفضي الى مواقف هي أقرب للهذيان.
سيناريو داعش نجح هو الآخر في احتلال الارض ونحر آلاف الرؤوس البريئة وسبي النساء وتهشيم الذاكرة الممتدة في عمق التاريخ، لكنه فشل أيضا في تنفيذ خطة التقسيم، بل وأوشك أن يكون سببا في التفاف العراقيين حول جثمان الفاجعة المسجى بين الموصل والانبار، ممددا على ضفاف صلاح الدين وديالى وكركوك. ولم يتبق أمام السيناتور جو بايدن الذي يغرف من أسفار بنيامين نتياهو وشيمون بيريز سوى التطبيق المباشر وعبر قرار يشرعنه الكونغرس الامريكي الذي فقد سطوته الدولية بعد أن تجرد من غطائه الاخلاقي.
الغباء في السياسة ليس عائقا، يقول نابليون بونابرت، لكن فرانسيس بيكون يضيف، ان الغبي مثل الميت، هو لا يشعر بموته، لكن الآخرين يتألمون لهذا الموت. هكذا هو حال بعض السياسيين من الكرد والسنة الذين يتقافزون على أسوار البيت الابيض لاستجداء السلاح
و..الرضا. فخطة التقسيم لا تعني استقرار العراق كما يسوق الراقصون على جثمان الوطن، بل هي مأسسة لحالة صراع قد تمتد قرونا طويلة بين العراقيين تحت خيمة الحدود الجديدة، ومآلات الثروات الجديدة أيضا.
هل سيتمكن بارزاني الحالم بمملكة كردستان الكبرى من تضميد جروحه التي سيعود بها من واشنطن؟ هذا الأمر يتوقف على مذاق الطبق الأقليمي الذي يطبخ على نار هادئة في كل من أنقرة وطهران وبرعاية واشنطن. وهو قد يتعض من المطالبات التي بدأت أصواتها تعلو لتشكيل اقليم السليمانية، كما ان دهوك ستعود مجددا اذا، ما جد الجد، الى أحضان الموصل كقضاء كما كانت قبل عام 1969، وفي هذه الحالة، لن يتبق من أرض المملكة الكبرى سوى محافظة أربيل، وهي صالحة لان تكون رمزا سياحيا أكثر منها رمزا سياديا، وهنا أيضا، على السياسيين الكرد إعادة قراءة تصريحات رجب طيب أردوغان التي جاءت ضمن سياق خطابه في منطقة ديار بكر قبل بضعة أيام.
مؤلم ومهين ذلك المنظر تحت قبة البرلمان العراقي حين انسحب النواب السنة والكرد من جلسة مناقشة صيغة للرد على قرار الكونغرس الموغل بتدخله في الشأن العراقي حد الوقاحة. قد يبدو القرار في ظاهره دفاعا عن المكونين الكردي والسني، لكن أي من البرلمانيين المنسحبين لا يمكنه الادعاء بتمثيل هذين المكونين. الانتهازية السياسية لعبة قذرة أوصلت البلد الى ما هو عليه. وفرية الشراكة الوطنية لم تعد تنطلي على أحد. انها شراكة اللصوص في اقتسام الغنيمة. والغنيمة لم تعد كما كانت نهبا للثروات وحسب، بل باتت أرواح العراقيين التي يحصدها الارهاب المصنع في واشنطن وأنقرة والدوحة والرياض وطهران.
القرارات المتخذة في البيت السياسي الشيعي أو البيت السياسي السني أو البيت السياسي الكردي لا تختلف إلا من حيث درجة سوئها وتبعيتها لمرجعياتها الاقليمية أو الدولية.
السياسة أمر خطير جدا حين تترك للسياسيين كما يقول شارل ديغول، فكيف بها حين تترك لسياسيين لا يولون سيادة البلد أية أهمية. انه الزمن الذي طال فيه صمت النسور وتعالت فيه ثرثرة الببغاوات، لكن مجتمعا من الخراف لا يمكن ان ينتج إلا حكاما على شاكلة الثعالب.