يعتقد الكثير من خبراء السياسة الدولية ، ان انهيار الإتحاد السوفيتي والمنظومة الإشتراكية ، دفع امريكا واسرائيل والكارتل الغربي الى صناعة عدو آخر في الشرق الأوسط ، تحديدا فيما يسمى دول الشرّ ( العراق في زمن صدام ، كوريا ، ايران ) .
تطور الرؤية الغربية في إنتاج الكوارث البشرية ، إستنادا لنظرية “مالتوس ” دفع مختبرات السياسة الغربية – الإسرائيلية ، توسيع الفكرة ونقلها من إطار الصراع السياسي والإيديولوجي بصورته التقليدية ، الى صراعات أثنية ،قومية ،مذهبية وطائفية تتفجر بها رغائب وشهوات الثقافات الفرعية المندثرة في توحش استبدادي ناتج عن معادلات جديدة في بناء السلطة وتوازناتها .
تصور البعض أن امريكا قد خسرت بإنهيار المنظومة الإشتراكية ، عدوا ً عاقلا ً لايتعدى حدود الحرب الباردة والصراع السياسي والإعلامي ، وحل بدلاً عنها عدو إنتحاري يتمثل بتنظيم القاعدة وفروعها في آسيا وافريقيا ، وخلاياها المتوزعة في العالم واخطرها مايوجد في بعض دول اوربا .
الرؤية الإستراتيجية تستدعي قراءة أخرى ، تنسجم مع نظام العولمة وهيمنة امريكا بكونها القطب الأوحد الذي يتسيد العالم ، تلك القراءة تذهب الى مشروع صناعة الإرهاب بغطاء ديني يتوزع مذهبيا ً وأثينيا ً، لإدامة الحروب وتركيزها في أغنى بقعة بالعالم اقتصاديا ً وجغرافيا ، الشرق الأوسط ، بكونها قلب العالم .
جعل الشرق الأوسط كرة نار ملتهبة بحروب طائفية وسياسية واقليمية وعنصرية ، واقع يتيح للقطب الأقوى والمهيمين امريكا ، تحقيق جملة من المنافع الإستراتيجية الفاعلة ، وابرزها ؛
* وضع النفط والغاز في الشرق الأوسط الذي يحوي مايزيد على اكثر من نصف المخزون العالمي ، تحت السيطرة الأمريكية التامة او شبه التامة ،إضافة الى الممرات المائية وطرق التجارة ومراكز القرصنة وانتشار القواعد العسكرية .
* تواصل الحرب يعني تشغيل أحد أهم قطاعات الصناعة في امريكا والدول الغربية مصانع إنتاج الأسلحة والعتاد والمستلزمات الحربية والتجهيزات اللوجستية والمواد الغذائية ومايستتبعها ، هذا القطاع تعرض للكساد إبان الحرب الباردة ، بينما يعيش خلال سنوات الحرب ضد الإرهاب إنتعاشا ً نوعيا ً .
* وجود بؤر الإرهاب في الضفة الأخرى من البحر المتوسط ، ومشاهدة نيران الحرب من قبل شعوب وحكومات دول أوربا ، يجعلها في حاجة دائمة الى وجود قوة الدفاع الأمريكية ، بعد ان تقاعدت اوربا عن دورها في شن الحروب الكبيرة .
* استخدام العديد من ساحات الحرب في الشرق الأوسط ، أوراق ضاغطة في صفقات امريكا مع الدول المنافسة مثل ايران وملفها النووي ، او روسيا وملف الغاز ووجودها في سوريا والبحر المتوسط .
بإختصار شديد نقول ان هذه ابرز الدوافع التي تجعل أمريكا تسعى في صناعة عدو ، وأفضل نوعية ” عدو ” هو من يستطيع ان يتغلغل في شعوب الشرق الأوسط حيث تنتشر وتهيمن الديانات والمذاهب وتتعدد الأثينيات وتنعدم ثقافة المواطنة ويتراجع الوعي والثقافة ، من هنا كانت صناعة ” العدو الإسلامي ” هو الأكثر جدوى ومنافع في هذا الظرف التاريخي للهيمنة على الشرق الأوسط واكثر من نصف العالم .
ملاحظة : سيجد القارئ الكريم دراسة مستفيضة لهذا الموضوع الإستراتيجي في كتابنا ” امريكا والعدو الإسلامي ” وهو يتصدى لظاهرة ” داعش ” . الكتاب قيد الإنجاز .