مرحلة مابعد داعش عراقيا .. مصير مجهول وفوضى وانتقام

 مرحلة مابعد داعش عراقيا .. مصير مجهول وفوضى وانتقام

نجحت الحكومة العراقية بمساعدة الفصائل الشيعية المقرّبة لإيران بتحرير العديد من المدن من تنظيم “داعش”، ولكنها لا تعرف كيف تحافظ على هذه المدن من الفوضى الإدارية والعمليات الانتقامية والخلايا 
 الخميس الماضي أعلنت الحكومة تحرير مدينة تكريت شمال بغداد من تنظيم “داعش” بعد تحالف نادر بين القوات الحكومية والفصائل الشيعية وطيران الجيش الأميركي، ولم تمضِ ساعات حتى تعرضت المدينة للفوضى والعمليات الانتقامية.
الفصائل الشيعية التي دخلت تكريت قامت بحرق العشرات من المنازل والمحلات التجارية بعد سرقتها واعتقلت عشرات السكان المحليين بتهمة الانتماء لـ “داعش” كما قتلت أشخاص آخرين، وتحوَّل منظر المدينة إلى خراب، تخرج منه أعمدة دخان الحرائق.
عمليات الانتقام التي نفذتها الفصائل الشيعية كانت متوقعة، لأن الحكومة لا تسيطر على هذه الميليشيات، كما أنها فشلت في إيجاد حلفاء محليين في المدن التي سيطر عليها تنظيم “داعش” كان من الممكن أن يشاركوا بمحاربة التنظيم المتشدد وحماية المدن.
مدن العظيم وجلولاء والسعدية والمقدادية في محافظة ديالى وتكريت والدور والبو عجيل في محافظة صلاح الدين هي أهم المدن التي تم تحريرها من تنظيم “داعش” منذ بداية العام الحالي، وفشلت الحكومة في إعادة الحياة المدنية إليها إذتحكمها الميليشيات الشيعية بقبضة من حديد.
اليوم جميع هذه المدن السنية تعيش فوضى إدارية وأمنية، فالميليشيات هي التي تحكم هذه المدن بغياب الشرطة المحلية والمحاكم القضائية والخدمات، وبعض سكان هذه المدن يخافون من العودة إلى منازلهم خوفاً من الميليشيات، كما إن الميليشيات ترفض عودة جميع السكان.
السكان السنة لم تكتمل فرحتهم بتحرير مدنهم من تنظيم “داعش” لأنهم ما زالوا نازحين ويواجهون ظروفاً معيشية صعبة في المخيمات، كما أنهم تلقوا أنباء تدمير منازلهم بسبب “داعش” أو الميليشيات بحزن شديد.
ويقول تقرير صدر قبل أيام عن “مجموعة الأزمات الدولية” إن “الانتصارات التي تحققها الميليشيات في تكريت ومناطق أخرى من المرجح أن تؤدي إلى ترسيخ دورها بشكل أكبر من الدولة، وهذه الميليشيات هي من ستقرر ما يحدث خلال وبعد العمليات العسكرية”.
المحلل السياسي أحمد الآلوسي يقول لـ “نقاش” إن “الحكومة العراقية فشلت في الاستعداد لمرحلة ما بعد داعش، وكان عليها إجراء حوارات مع شيوخ عشائر وفصائل سنية قبل البدء في تحرير هذه المدن”.
عندما تشكلت الحكومة العراقية برئاسة حيدر العبادي في شباط (فبراير) من العام الماضي حاولت الحكومة تشكيل تحالفات مع شيوخ عشائر وفصائل مسلحة سنية معارضة للحكومة السابقة برئاسة نوري المالكي.
وقررت أيضاً تشكيل قوات أمنية جديدة تحمل اسم “الحرس الوطني” بعد انهيار القوات الأمنية بعد سقوط مدينة “الموصل” في حزيران (يونيو) العام الماضي، ولكن هذه المحاولات فشلت ولم تنجح حتى اليوم.
 الحكومة أجرت مفاوضات سرية منذ أيلول (سبتمبر) العام الماضي مع فصائل مسلحة سنية مثل “الجيش الإسلامي” و”جيش المجاهدين” و”كتائب ثورة العشرين” وعدد من شيوخ العشائر المعارضين للعملية السياسية جرت في أربيل عاصمة إقليم كردستان وفي الأردن ودول عربية أخرى، لكن جميعها باءت بالفشل.
انتهت المفاوضات في 15 شباط (فبراير) الماضي عندما أعلنت الفصائل السنية والعشائر رفضها المشاركة في مؤتمر للمصالحة دعت إليه الحكومة، وأعلنت رفضها التحالف مع الحكومة.
وابرز هذه الفصائل هي “هيئة علماء المسلمين” و”الجيش الإسلامي” و”المجلس العسكري العام لثوار العراق” و”جبهة الجهاد والتحرير” و”حزب البعث العربي الاشتراكي” و”مجلس شيوخ عشائر الانبار” و”أنصار السنة”، و”مجلس شيوخ عشائر نينوى”.
 هذه الفصائل المسلحة السنية وشيوخ العشائر يمتلكون نفوذاً شعبياً واسعاً في المدن السنية، كما إن السكان السنة يثقون بهم كثيراً، لأنهم يدافعون عنهم كما إن هذه الفصائل رفضت التحالف مع تنظيم “داعش”، وكان من المفيد للحكومة إن تتحالف معهم قبل البدء بعملية التحرير.
الشئ الآخر فشلت الحكومة في تشكيل “الحرس الوطني” وهو فكرة لتشكيل قوة عسكرية جديدة من السكان السنة بعد انهيار قوات الشرطة المحلية في هذه المدن، وعدم ثقة الحكومة بعودتهم إلى العمل بعد تحرير المدن لشكوكها بأن بعضهم عمل مع داعش.
ومن المهام الأخرى لـ “الحرس الوطني” هو المشاركة في عمليات تحرير المدن بالتعاون مع قوات الجيش والفصائل الشيعية، وبعد التحرير يقوم “الحرس الوطني” بإدارة المدن أمنياً ومنع عودة “داعش” إليها.
الحكومة فشلت في كل ذلك، وهي اليوم تواجه مأزقاً كبيراً لأنها لا تمتلك خطة لإدارة المدن المحررة، وليس لديها تواصل مع سكان هذه المدن، كما أنها تخشى من عودة “داعش” إليها إذا  انسحبت القوات الأمنية والفصائل الشيعية منها.
ويقول العقيد في الجيش العراقي جعفر المحمداوي إن “الجيش يمتلك فرق عسكرية محترفة مثل الفرقة الذهبية وقوات مكافحة الإرهاب وقوات الرد السريع قادرة على تحرير أي مدينة من سيطرة داعش، ولكن هذه القوات لا تستطيع الحفاظ على الانتصار طويلا”.
المحمداوي يقول إن “الحفاظ على الأراضي المحررة ليست من مهام الجيش بل من مهام الشرطة المحلية والأجهزة الاستخباراتية التي يثق بها السكان، ولكن للأسف لا وجود للشرطة،  ولهذا خسرنا العديد من المدن التي حررناها سابقا”.
الحكومة العراقية اليوم تواجه مأزق كبير في المدن المحررة من “داعش”، لأن الحفاظ على هذه المدن يحتاج إلى قوات عسكرية كبيرة تبقى في أماكنها لشهور طويلة لمنع عودة “داعش”، بانتظار تشكيل قوات أمنية محلية لتقوم بمهمة إدارة الأمن.
ولكن هذا السيناريو يحمل مخاطر عديدة، لأنه سيقلل من قدرة الحكومة على القيام بالمزيد من تحرير المدن الذي يحتاج إلى قوات عسكرية كبيرة، والأمر الآخر هو إن التنظيم المتشدد سيستغل الوقت لتنظيم صفوفه عبر الخلايا النائمة بين السكان لشن هجمات على القوات الأمنية والفصائل الشيعية.
كما إن بقاء الفصائل الشيعية الغير مرغوب بها من السكان السنة، سيزيد من احتمال حصول عمليات قتل واعتقالات انتقامية ضد السكان وستخلق وضعاً أمنياً معقداً غير مستقر في هذه المدن، والخوف الأكبر هو حصول تغيير في التركيبة السكانية لبعض المدن خصوصاً في ديالى.
ولو إن الحكومة نجحت بعقد تحالفات مع العشائر والفصائل السنية، وقامت بتشكيل قوات “الحرس الوطني” قبل البدء بعمليات تحرير المدن من “داعش” لما واجهت هذه المشكلات المعقدة الآن والتي قد تستمر لشهور طويلة وتسرق من العراقيين فرحة الانتصار على “داعش”.
 

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة