( عقدة الضواحي وإشكالية سوداوية الكتابة )
رواية ( كيف كان غداًُ ) للروائية الجزائرية فايزة غين , تشكل إنتاج جدل مع واقع ليس كمثله واقع , واقع شديد الاغتراب والغموض والتعقيد , تتلاقى وتتشابك في نسيجه خيوط السياسة والقومية والاجتماعية العرقية . وفايزة غين ومنذ روايتها الاولى تمتد وتمتد حتى قد تمكنت من الوصول الى كتابة رواية (كيف كان غداً) وهذه الرواية قد اهتمت بقضية (المهاجرين) العرب في ضواحي فرنسا ,وكيف هي حياتهم ازاء انماط التسيد والعرقية في تلك الضواحي , وقد تناولت الروائية شخصية روايتها (درية) تلك الفتاة البسيطة التي تمثل حضوراً واسعاً لشخصية الروائية داخل أعماق وسمات واقعها الاجتماعي داخل أحياء تلك الضواحي
]لم يعد ينقص امي الا الاشتراك في مجلة (أيل) لكي تغدوا باريسية [ هنالك اسئلة كثيرة تشغل قارئ رواية (كيف كان غدا) ومن جملتها سبب كل هذا التناقض بين واقع سردية كتابة العمل الروائي , وبين حقيقة تقولات الروائية الشخصية نفسها , ومن خلال احدى لقاءاتها عبر احدى الفضائيات العربية , فالكاتبة تقول في احدى لقاءاتها ايضا :-]نحن عرب .. نتكلم اللغة العربية [ اما الحال في قولها الاخر :]لن ندعي اننا فرنسيون هكذا ببساطة لان ملالمحنا الجسدية سوف تشي بأصلنا الجزائري [ غير ان القارئ لرواية (كيف كان غدا) لربما يكتشف عكس ما قد جاء على لسان الروائية من ذكر للحقائق , بيد ان القارئ للرواية لربما يقف موقف الغافل تماما , مابين حقائق الرواية وبين تصريحات الروائية الشخصية . وعلى أي حال , نعود الى كتابة رواية اجواء (كيف كان غدا) حيث ثمة نساء واناس مضطهدين عرقيا , على اصعدة اجتماعية وسياسية, وهذا شئ واقعي ومتفق عليه , اذ لا يمكننا الفصل بين هذه المستويات , والقضية في النهاية هي قضية مجتمع عربي , لا يمكن له ان ينهض بجناح واحد ..
ان رواية فايزة غين تمطر قضايا واسئلة اعتبارية كبيرة : غير اننا نتسائل في الوقت نفسه .. هل تعد رواية فايزة غين , رواية مستوفية في حقيقتها لكافة شروط ومقومات العمل الروائي الحقيقي ؟ ثم ما سبب كل هذا الترويج
المحلي والتفعيل الاعلامي لهذا العمل الروائي البكر , ولا سيما بان فايزة غين , لم تتجاوز العشرين من عمرها , اننا لربما قد نميل الى الرأي الشخصي اذا قلنا , باننا عند قراءتنا لرواية (كيف كان غدا) لم نعثر في واقع الامر الى ما هو جدير ومتفرد في عوالم جمالية وسردية هذا العمل , كشكل ادبي , كما اننا في الوقت نفسه , لم نعثر على ما هو جاد وصريح في هذا العمل الروائي – باستثناء- حالة واحدة , وهي ان شخوص هذه الرواية يمثلون طبقة واحدة متوحدة في رؤيتهم نحو التطلع الى الحياة (الباريسية) وكيف الوصول الى هذه الحياة , ومع هذا التحليق والاندماج والركض , فان فايزة غين لم تنسى , خصوصية حياة الفتاة العربية الاصل هناك : ] لم يكتف بالتهام الكراكوز وانما تجرأ على تقبيلي من دون اذن مني , والادهى انني مثل بغلة , لم اجد ما اقوله , فقط تحولت بالكامل الى حمراء مثل الفلفل الذي تعده امي [ ان كل هذا التدفق في (التداعي السردي) والتناثر في احداث السرد ألاسترجاعي , والعلاقة بين المهاجرين وسكان تلك الضواحي الواردة في الرواية , وحضور كل تلك الحوارات كوثائق استشهادية , لربما تشكل من جهة غاية في الأهمية , الذاكرة الروائية وما يعصف بالروائية فايزة غين من عواصف (عقدة الضواحي واشكالية سوداوية الكتابة ) كما تشكل في الوقت نفسه , ذكرى القومية , والاغتراب في المدن الكبرى , والغرف الباردة الموحشة , والرعب من حب الرجل الفرنسي , ان رواية ( كيف كان غدا) من الروايات التي لا تحبذ اقفال الباب على نفسها , أي تظل مفتوحة امام رواية (ستجئ) , ان قارئ هذه الرواية لربما يشعر بان تفاصيل المواقف التي تصدر من بطلة الرواية (درية) وعن باقي الشخوص , لغة وحوار , وما يتبع ذلك من قص سردي , والعناية بالاماكن ولا سيما (عقدة الضواحي) من حيث علاقتها بالناس والعائلات العربية المهاجرة , ومن حيث علاقتها بالزمن والمكان المتخيل والواقعي التسجيلي , كل ذلك يغري العمل الروائي بالامتداد الدرامي والحبكوي , او حتى خلق حالة من كتابة ( التقطيع السينمائي) غير اننا في الاخير نلمس ظاهرة غريبة فيما يتعلق برؤية الكاتبة (فايزة غين) لروايتها (كيف كان غدا) وهو اننا نلمس حالة من انعدام المصداقية او حالة اشبه ما تكون بالتناقض في نقل الحقائق الصورية والسلوكية .. ويتجسد هذا في صورة سعي الروائية نفسها من خلال احداث روايتها الى حالة من التشاكل وليس الاختلاف مع طبيعة المجتمع الفرنسي , مع الحلول في حياة الفرنسيين بانسجام وتوافق , على عكس ما عثرنا عليه في رواية (كيف كان غدا) من عقدة الضواحي واشكالية سوداوية الكتابة الروائية المحدودة .