قديما كان يسمى “الفرهود”. والمجتمع العراقي استنادا لما كتبه المؤرخون وعلماء الاجتماع بطل في قصص الفرهود التي كانت الذروة فيها ما حصل في اربعينيات القرن الماضي اثناء عملية تهجير اليهود من العراق. ولمن يريد الاطلاعلى نماذج مشرقة مما خلفه لنا اجدادنا واباؤنا ـ ايام كانوا مندسين ـ معاودة قراءة ذلك التاريخ الذي يابى دائما الا ان يكرر تفسه لكن ليس على طريقة ماركس المشهورة “مرة على شكل ماساة ومرة على شكل ملهاة”, بل بطريقة ماساوية تجعلنا في كل مرة”مضحكة” للـ “يسوى واللي ما يسوى”.
بعد عام 2003 حصل انزياح دلالي لمفردة الفرهود لتحل محلها مفردة “الحواسم”. والحواسم لمن لايتذكرها هي التسمية التي اطلقها رئيس النظام السابق صدام حسين لما بات يسمى بالادب السياسي الحديث “حرب الخليج الثالثة”. وللتذكير فان لكل حرب من حروب الخليج الاولى والثانية والثالثة تسمية مختلفة. فالاولى هي “قادسية صدام” التي استمرت 8 اعوام مع ايران. والثانية هي “ام المعارك” او حرب الكويت والتي تلاها حصار جعل العراقيين ياكلون طحين مداف بالجرذان والفئران. اما الثالثة فهي “معركة الحسم” والتي حسمت العراق كله جيشا وشعبا ونظاما ومؤسسات عام 2003. ومن مفردة الحسم جاءت مفردة الحواسم التي فاقت كل ما سبقها من فرهود وسلب ونهب في كل تاريخ العراق لاسيما ان هناك من “شرعن” بعض عمليات السرقة والسلب بوصفها من اسلاب النظام السابق.
اليوم تتكرر الظاهرة بالمضمون نفسه ,عمليات سلب ونهب, لكن بتسمية جديدة ولافتة جدا بالاحالة الى من قام وقد يقوم في قابل ايام التحرير القادمة في افعال السرقة والسلب والنهب وهم “المندسون”. واذا اردنا البحث عن مقاربة اجتماعية ـ سياسية لما يحصل من عمليات من هذا الطراز في ازمان وظروف معينة فان عمليات السلب والنهب او ما سمي بالفرهود او الحواسم تحصل في الغالب في اوقات تنعدم فيها سيطرة الدولة على الامن والنظام العام حيث يتحول كل شئ الى اشبه ما يكون بنظرية غوار الطوشي “حارة كلمن ايدو الو”.
لكن ان يجري الحديث وعلى نطاق واسع بدء من رئيس الوزراء وانتهاء برئيس جمعية عطاشى كسرة وعطش عن “المندسين” في الجيش والشرطتين ,المحلية والاتحادية, والحشد الشعبي والفرقة الذهبية وجهاز مكافحة الارهاب وقوات الرد السريع وقوات العشائر فان هذا الامر يطرح المزيد من علامات الاستفهام والسؤال بل والسعال الديكي والتعجب والاندهاش. فالمفردة بحد ذاتها مطاطة وفطيرة وعائمة وحمالة اوجه. فاذا كان عندنا “مندسون” في كل مفصل من مفاصل حياتنا في الدولة والحكومة بمختلف دوائرها ومؤسساتها فضلا عن تسميات اخرى شاعت مؤخرا مثل الفضائيين والهوائيين, فان هذا كله يثبت حقيقة اساسية وهي اننا غير قادرين على عمل اي شئ طالما لدينا التبرير الجاهز بل وحتى المقبول بل والعذر الذي هو اقبح من كل الذنوب. وسؤالي غير البرئ بل والمفخخ والملغوم الذي اختم به هذا المقال .. ايها السادة المسؤولون واخص بالذكر منهم رئيس جمعية عطاشى كسرة وعطش .. ما هو شغلكم اذن طالما يوجد “هلكد” مندسين عندنا؟ والله عمي حقه ناظم الغزالي حين يغني “هذوله العذبوني .. هذوله المرموني .. وعلى جسر (المعلق) سيبوني”.