مر العراق منذ احتلال وحرب نيسان عام 2003 بمخاضات ومراحل من التدهور المريع ولكن ماسي العام الاخير فاقت كل التصورات والاحتمالات اذ اعتقد لم يدر بخلد احد ان ينتهي حكم نوري المالكي للبلد بتسليم ثلثه لعصابات داعش الوحشية الهمجية التي دمرت تاريخ العراق ومزقت النسيج الاجتماعي لقومياته واديانه ومذاهبه المتآخية التي عاشت الاف السنين مع بعضهم البعض وقد ادى احتلال الموصل والانبار وصلاح الدين الى تشريد مليونين ونصف مليون من ابناء الشعب يعيشون منذ حزيران الماضي في ظروف صعبة وقاسية اضافت الى جرائم سبي اليزيديين واغتصاب نسائهم وهي بحق جرائم ضد الانسانية اضافة الى جريمة سبايكر التي استشهد فيها 1700 شاب ذهبوا كما يبدو ضحية لحملة اعادة انتخاب المالكي وازلامه.
ان الخلاص من شخص المالكي هو خطوة اولى في طريق طويل من الالام والان وبعد ان اعترف المالكي بعظمة لسانه بفشل الطبقة السياسية الحاكمة من سياسي الصدفة من السراق ومزوري الشهادات الفاسدين الذين نهبوا ثروات العراق واوصلوه الى حافة الفقر والافلاس عبر المحاصصة الطائفية القومية الكارثية اليس من حق الشعب المطالبة بوضع اسس جديدة للحكم وفق مبدا المواطنة والشفافية وتكافؤ الفرص امام العراقيين جميعا لبناء دولة ديمقراطية مدنية بعيدة عن حكم المليشيات والعشائرية ووفق حكم القانون وبكل صراحة ينبغي ان نعترف ان هذه الآمال المنطقية هي مجرد تمنيات لان الواقع الحالي لا يؤشر الى خطوات جذرية حقيقية لما سمي مجازا بالتغيير في حين ان 80% من الحكومة والبرلمان هم نفس الوجوه الكالحة القديمة.
ان بيع او تسليم محافظات بأكملها لعصابات داعش الارهابية ومن تحالف معها يجب ان يخضع لمحاسبة محاكمات حقيقية وليس التغطية عليها عبر لجان تحقيقية هزيلة لا تغني ولا تسمن وكما يبدو لحد الان فان الحكومة عاجزة عن محاسبة المسؤولين الكبار عن هذه الجريمة وفي مقدمتهم القائد العام السابق للقوات المسلحة الذي يحتل حاليا منصب نائب رئيس الجمهورية وايديه ملطخة بالدماء وطبعا ليس هو المسؤول الوحيد بل معه رهط من القادة العسكريين والمسؤولين السياسيين الفاسدين عديمي الضمير والمواطنة كان هدفهم ومازال نهب العراق وتدميره لمصالحهم الشخصية .
اود ان اضرب مثالين مؤلمين من هذا الزمن الاغبر الاول يتعلق بمشعان ركاض الجبوري صاحب قناة الزوراء الفضائية داعمة الارهاب في بثها لسنوات بعد سرقة ملايين الدولارات الخاصة بحماية انابيب النفط “حاميها حراميها” ليعود من جديد الى البرلمان ليس بقدرة قادر بل بقدرة ازلام المالكي الذي اسقطوا عنه احكام القضاء وتجاهلوا نقص او تزوير شهادة الثانوية عنده وهو حاليا يقوم بتأجيج الطائفية وخلط الاوراق بشكل مريب، اما المثال الثاني فيتعلق بسرقة مخصصات النازحين والمهجرين وعدم ايصالها لغالبية عوائلهم الذين هم بأمس الحاجة لها اضافة الى صفقات مشبوهة لبناء كرافانات لهم ويبدو ان مشعان ايضا احد اطرافها في حين تقع مسئوليتها الرئيسية على نائب رئيس الوزراء صالح المطلك.
كان المالكي يعتقد ولأخر يوم في ولايته بانه سيحصل على دورة ثالثة في البقاء على كرسي السلطة خاصة بعد ان اساء استخدام نفوذه لشراء الذمم وخداع البسطاء بتوزيع سندات وهمية واستخدام البطش تجاه الاصوات المعارضة وعرقلة دور البرلمان وشراء سكوت رئيس
البرلمان السابق وممارسة تعذيب السجناء وابقاؤهم رهن التوقيف لسنوات دون تقديمهم للمحاكمة في مخالفات صريحة لمبادئ حقوق الانسان ، وتجاهل مطالب مشروعة لأبناء المحافظات الغربية وخرق معظم مواد الدستور بممارسات فردية دكتاتورية ازمت العلاقات مع الاطراف الاخرى المشاركة في العملية السياسية ذات الاسس المعوجة الخاطئة ولكن بعد ان رفضت الاطراف الدولية والمحلية تكليفه بتشكيل الحكومة الجديدة تمكن من الحصول على موقع لا يسحقه ويسيء استخدامه ليبقى في الصورة محتينا فرصا مستقبلية اي انه يشكل خطرا حقيقيا ينبغي التصدي له سريعا عبر تقديمه للمحاكمة لينال جزاؤه العادل ولكن السؤال كيف يمكن تحقيق ذلك والمتحالفين معه ما زالوا على رأس السلطة القضائية واين دور البرلمان في اصلاح السلطة القضائية وتشكيل المحكمة الاتحادية ؟؟
لقد نجحت القوات المسلحة العراقية والحشد الشعبي ومقاتلين من ابناء صلاح الدين وبدعم من اطراف دولية ومجاورة من طرد الدواعش من مركز تكريت وهو لاشك انتصار بأمل ان تعقبه انتصارات اخرى بتنظيف محاقظاتنا الاخرى وخاصة الانبار والموصل من داعش ومن يقف معها ولكن لا ينبغي ان يكون ذلك تبريرا لعدم محاسبة ومعاقبة الذين اوصلوا العراق الى هذا الوضع اذ كيف يمكن بدون ذلك ضمان عدم تكرار مثل هذه الهزائم مستقبلا ولا يتم ذلك الا عبر انتهاج سياسة جيدة اساسها المواطنة وسيادة القانون ومراقبة حقيقية لتنفيذ اعادة بناء البلد ومعاقبة المقصرين والفاسدين وفتح ملفات الفساد وغسيل الاموال امام الحاكم وايداع كبار المسئولين السراق في السجون والعمل على استرجاع مئات مليارات الدولارات المنهوبة.
ان الذكرى الثالثة عشرة للحرب العدوانية واحتلال العراق ينبغي ان تكون مناسبة لوضع برنامج بناء حقيقي يعيد اللحمة الوطنية لأبناء الوطن ويسعى لتنفيذ برنامج تنمية حقيقية على صعيد محاربة الامية والجهل وتوفير خدمات صحية مناسبة وتوفير فرص عمل عبر اعادة بناء قطاعي الصناعة والزراعة وتوفير الضمان الاجتماعي لكبار السن والارامل والمعاقين والمحتاجين وتطوير التعليم العالي الجامعي والمهني ولاشك فأن البرامج العملية الطموحة في ظل الظروف المالية الصعبة الحالية بحاجة الى تمويل يمكن ان يتوفر جزء كبير منه عبر الغاء قوانين منح رواتب خيالية لأعضاء الحكومة والبرلمان ومجالس المحافظات الحاليين والسابقين والتي هي في حقيقتها شرعنه لسرقة ثروات العراق باسم القانون وكذلك تخفيض اعداد حماياتهم (ولاشك بضمنهم مئات او الاف الفضائيين) الى بضعة افراد ولايمكن تحقيق كل ذلك الا عبر اقامة نظام حكم مدني ديمقراطي بعيد عن المحاصصة والطائفية التي اوصلت البلد الى طريق مسدود وفرطت بالكثير من ارضه وترابه.
واخيرا لا ادري هل هناك اساس واقعي يبعث على الامل والتفاؤل ام ان ما كتب على العراق ان يستمر في هذا النفق المظلم لسنوات طويلة قادمة والاجابة متروكة للقارئ الكريم!