19 ديسمبر، 2024 12:53 ص

في بغداد المجد و الخلود، في بغداد الطُهر و السجود، في بغداد ميلادي و ابنائي و احفادي،  في بغداد الغنى بعد غنى الله، في بغداد موسى الكاظم و ابو حنيفة النعمان، في بغداد اذ يلتقي الجبلان، في بغداد الكرم و الجود، في بغداد عرين الاسود و مرتع الفهود، في بغداد البناء و الاعمار و الحب و عشق الديار، خرجت من احدى (الصيدليات) اذ اصبحت زبونا دائما و هائما لكثرة ترددي على الاطباء، و بعد ان اشتريت ادويتي و هممت بالسير الى داري مثقلا بهموم الناس قبل همومي و ما ان وضعت قدمي على الرصيف فاذا بي اسمع شابا يخاطب والدته (يمه شكد عندج فلوس)، فكانت الكلمات خنجرا ينغرس في صدري فيوقفني متأملا متألما و كأن الدماء تسيل من قلبي، استدرت اليهما كالسهم رغم ضعف جسدي، و خاطبت الشاب، اخي بالله عليك كم تحتاج لشراء الدواء؟ فأجابني والله يا اخي لن احتاج بل انا اسال والدتي و اريد ان اعرف هل نستطيع شراء الدواء لجارنا المريض؟ و هنا تقربت اليه اكثر فتعارفنا كعادة العراقيين الخُلص الابرياء. فهو من الانبار و انا من بغداد فلم تفرقنا خنادق الذين يحفرون و كأن الخنادق تحميهم ناسين الاية الكريمة (اينما تكونوا يدركم الموت و لو كنتم في بروج مشيدة). لم تفرقنا اللهجات و المسافات لم تفرقنا الاحزاب و القائمين عليها، لم يفرقنا من جاء مع المحتل لم يفرقنا من اغتنى بالسرقات و رفل فنحن ابناء المدرسة المحمدية نحن ابناء الاباء و اليعربية. تصافحنا و قبل احدنا الاخر و دمعت عيوننا، اخذ رقم هاتفي و بدأت امه بالدعاء لي، اجبتها، اماه ان ارفعي يديك بالدعاء للعراق فهو بيتنا.
و قبل يومين دخلت احدى (صيدليات الكرادة) فأبكتني امرأة كبيرة لا تستطيع دفع سعر الدواء توفى زوجها و هجرها ابنها طلبت منها ان تدلني على بيتها فقالت ليس لي بيت فزاد المي، دفعت سعر الدواء و اعطيتها مما اعطاني الله و من مُنطلق (من يُقرض الله قرضا حسنا). اعيش هذه الحالة يوميا و اقابل شيوخا و عجائز قد حنى الدهر ظهورهم اواجه بنات يافعات بعمر الزهور يقفن في التقاطعات و قرب اشارات المرور متوسلات مذلولات مطالبات من يمد لهن يد العون، فمن الناس من يهبهن و منهم من لبس ثياب الشيطان و ساومهن على…. و كثرت هذه الظاهرة فلا تجد مكانا او محافظة عراقية تخلو منها.
لله درك يا امير المؤمنين يوم قلت (لو كان الفقر رجلا لقتلته). انت لست بالقاتل يا امير المؤمنين و حاشاك من القتل لكنك تريد ان ينعم الناس بخير بلادهم.
و اليوم جاءنا من يهتم بنفسه فقط و لا يهتم بناسه من يهتم بمركزه الزائل و لا يهتم بالناس الذين انتخبوه بل اتخذ منهم سلما للوصول الى مأربه، لعن الله غاياتكم التي فرقتكم حتى بعتم وطنكم لكنكم لن تفرقونا فلن تفيدكم خنادق و لن تسعفكم دول الجوار و لن تنقذكم خطط رُسمت لكم فالارض (يرثها عبادي الصالحون) و يا من تدعون الدين تذكروا اقوال الصادق (ع) (اتقوا الظلم فان دعوة المظلوم تصعد الى السماء) و (ما من مظلمة اشد من مظلمة لا يجد صاحبها عليها عونا الا الله).

[email protected]