تنويه :
سأوجه بعض الرسائل – ذو الطابع الأسلامي أو السياسي أو الفكري .. ، وهي رسائل محددة موجهة مختصرة ، سأنشرها بين فينة و أخرى كسلسلة ، وكل رسالة ستنهج موضوعا ليس له علاقة بالأخر ، أملا منها تفريغ مادة أو فكرة للقارئ ، وستكون الرسائل غير مترابطة بالمضمون ، ولكن تجمعها مظلة واحدة وهي حرية الفكر و الرأي .. لأجله أقتضى التنويه .
الموضوع :
الموقف الأقليمي / العربي ، تتجاذبه دولتان أفضلهما أسوأ من الثانية ، تركيا و أيران ، هاتان الدولتان تنظران الى مصالحهما السياسية و الاقتصادية والى نهجهما المذهبي أكثر من المصالح العربية ، ولم تكن يوما من الأيام تنظران الى الهم و الغم العربي ألا من خلال الستراتيجية و الأيدولوجية اللتان تؤمنا بها ، فالأهداف التي تسعى أليها بعيدة كل البعد عن الأهداف التي تأمل العرب في تحقيقها ، وذلك لأختلاف السبل و الطرق و الأفكار و الأهداف عن الدول العربية من جهة و بين ” تركيا و أيران ” / كوحدة واحدة ، من جهة ثانية ، أضافة الى أختلاف هذه العوامل بين تركيا و أيران / كدولتين ، من جهة ثالثة .. :
– فتركيا العثمانية ، التي بنى وجودها الحديث ، مصطفى كمال أتاتورك ( ولد في 19 مايو 1881 – توفي 10 نوفمبر 1938 ) ، والذي قاد الحركة التركية الوطنية في أعقاب الحرب العالمية الأولى ، وأوقع الهزيمة باليونانيين في الحرب التركية اليونانية عام 1922 … وبعد انسحاب قوات الحلفاء من الأراضي التركية جعل عاصمته مدينة أنقرة ، وأسس جمهورية تركيا الحديثة ، فألغى الخلافة الإسلامية وأعلن علمانية الدولة / بكل مفاهيمها الأجتماعية والدينية والسياسية ..، ومن أبرز أعماله منح حقوق الملكية لكافة المواطنين وليس للاقطاعين ، وكانت تركيا بعهده من أكثر دول العالم أزدهارا وتقدما …
– أما أيران الفارسية ، التي كان أخر ملوكها / الشاهنشاه ، محمد رضا بهلوي ( ولد في 26 أكتوبر 1919 وتوفى 27 يوليو 1980 ) ، الذي كان من أبرز أنجازاته أنه عمل على تقطيع الأراضي الزراعية الكبيرة واستحداث أراضي صغيرة كي يستفيد منها 4 ملايين فلاح إيراني ، السماح للمرأة بالتصويت .. وأنعكست الإصلاحات الزراعية التي قام بها الشاه بهلوي بشكل إيجابي على الاقتصاد الإيراني ، وكانت فترة ستينات وسبعينات القرن العشرين فترة انتعاش للاقتصادي الإيراني الذي لم يسبق له مثيل ، وكان محمد بهلوي آخر شاه يحكم إيران قبل الثورة الإسلامية عام 1979 و قبل بروز عهد حكم الملالي …
الرسالة :
1. سابقا / السياستين التركية و الأيرانية منذ عهدي أتاتورك و الشاه بهلوي ، لم يكن لهما أي مواقف أيجابية تجاه العرب ، منذ الحرب العالمية الأولى و ألى نهاية عهديهما ، وكانت الدول العربية الأكثر تضررا من سياستهما المتشددة تجاه العرب كقومية ..
2. فتركيا الحالية ، وليدة السلطنة العثمانية الغابرة ، ورئيسها الحالي / الأسلامي ، رجب طيب أردوغان ، تسعى لدور أسلامي سني في المنطقة ، وتأمل في أعادة الحلم العثماني وفرضه من جديد عربيا ، والذي أصبح هدفا من الأستحالة تحقيقه .. وتنهج تركيا دورا عربيا مشبوها ، فمن طرف أنها تدعم سياسيا و ماديا و أعلاميا .. الجماعات الأسلامية كالأخوان المسلمين بشكل عام وأخوان مصر بشكل خاص / هذه الجماعة التي تحاول أحراق مصر العربية التي مزقت كفن الأخوان في ثورة 30 يونيو 2013 ، ومن طرف ثان تشكل تركيا للأرهاب ممرا أمنا الى سوريا ، حيث لتركيا دورا مدمرا متفاقما في تحطيم الدولة السورية ، وأضعافها قدر الأمكان ، وذلك من خلال دعمها للمنظمات الأرهابية وقوى المعارضة السورية التي لم تؤمن بالحل السياسي والتي لها في كل يوم توجه وقيادة يختلف عن اليوم الأخر ، وتدعي تركيا من طرف ثالث ظاهريا محاربة الأرهاب المتمثل بداعش ، وهي العمق الفعلي له ، وفي العراق تركيا تلعب دورا سياسيا من خلال دعمها لبعض السياسيين العراقيين / السنة خاصة ، متمثلا بطارق الهاشمي المقيم على أراضيها أضافة لأل النجيفي وأخرين … أضافة الى دور أستراتيجي مكشوف مع قطر ضد الأمارات ومصر والسعودية و البحرين ، الذي أنفكت عقده / نوعا ما ، مؤخرا !
3. أما أيران ، فلو نظرنا الى الماضي القريب وتذكرنا قول ” الخميني ” بمناسبة وقف الحرب العراقية الأيرانية 1980- 1988 / الذي يلخص القضية ، ويجيب عن أي تساؤل ، حيث قال ( إنني أقبل بوقف إطلاق النار كما لو إنني أتجرع سما زعافا ) ، أرى من معنى هذا القول دلالة عنصرية محورية لموقف الخميني تجاه العراق ككل ، الذي كانت قواته العسكرية ، أي العراق ، ” جيشا وميليشيات / الجيش الشعبي ” غالبيته من الشيعة ، الشيعة العرب ، ولكن ” الخميني ” لم ينظر الى وقف الحرب من هذا المنظور ، لحقن دماء الشيعة بشكل أو بأخر ، بل كان ينظر ألى الحرب من منظور فارسي وليس مذهبي ! لذا كان رافضا لأي وقف لاطلاق النار بين البلدين … و الأن أيران تحقق ما لم تحققه في عهدي صدام حسين و الخميني ، فهي تمارس دورا تخريبيا دمويا تدميريا ، ليس ضد سنة العراق فحسب ، بل ضد كل ما هو عراقي ، والحكام الجدد/ متفرقون ، لا قرار يجمعهم ولا أستقلالية في نظامهم ، وذلك لأنعدام التوجه الوطني تجاه الشعب العراقي . أيران التي بذراعها الممتد عقائديا و عسكريا في لبنان / حزب الله ، تسيطر على جنوبه كاملا ، ويؤمن حزب الله بولاية الفقيه المطبقة فقهيا في أيران ، التي ينهجها الأمام الخامنئي / والخميني سابقا .. أضافة الى وجود للدور الأيراني الداعم للحوثيين في اليمن ، الذي جوبه مؤخرا بمجابهة خليجية عسكرية ، رادعة بأسم ” عاصفة الحزم ” ، مع تأثير أيراني في البحرين .. أضافة الى دور مذهبي في نشر التشيع عربيا ، خاصة في مصر وغيرها .. كما تمارس ايران دعما قويا غير محدودا لسوريا عسكريا ولوجستيا وأعلاميا ، وأيران لها تواجدا محسوسا في أرتيريا ! .
4. الدول العربية الأن تفتقد لمنظمة تقودها ، كمثل دور الأتحاد الأوربي أوربيا ، وجامعة الدول العربية أضعف من أن تكون ليس قائدا بل حتى موجها ومنسقا للدول العربية ، ولهذا الضعف العربي يبرز الدور التركي و الأيراني / كرد فعل ، بتنسيق من هنا أو هناك عربيا ، أضافة لبعض الدعم الدولي ، اذن الدور التركي الايراني ، بل التدخل التركي الأيراني عربيا ، جاء نتيجة للضعف العربي ، وأكبر مثال على ذلك تدخل ايران في العراق و اليمن ولبنان ، ودور تركيا في سوريا ومصر ، على سبيل المثال وليس الحصر ..
5. هناك أدوار وتدخلات سعودية قطرية / لا تخدم القضية العربية ، وذلك في دعم المعارضة السورية ، بدل من توجيه المعارضة نحو الحوار و الحل السلمي مع النظام السوري ، والأصرار السعودي القطري على أسقاط النظام السوري لا يصب في مصلحة الشعب السوري تحديدا و العرب عامة ، خاصة وأن الأزمة السورية تدخل عامها الرابع ، وليس من المنطق والعقلنة السياسية من تأكيد السعودية وقطر / في مؤتمر شرم الشيخ 16.03.2015 ، بكلمة العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز ووزير خارجيته سعود الفيصل ، أضافة الى كلمة أمير قطر تميم بن حمد ، على مواصلة نفس النهج السابق في أسقاط النظام بعيدا عن الحوار ! ، وبهذا فأن الدور السعودي القطري يتطابق ستراتيجيا مع الدور التركي .
6. غياب دور العراق القيادي السابق عربيا ، بقى شاغرا ، بالرغم من سقطاته الكارثية في أحتلال الكويت … هذا الدور لا يجدي أشغاله / مثلا ، سعوديا وذلك للمذهب الوهابي الذي تدين به السعودية ، المكفر لاكثر العالم وغير ذلك.. ! ولا ينفع لقطر لأنها أصغر من هذا .. أذن لا بد من دولة لها ثقل عسكري و فكري وقومي ومد جماهيري مع أرث حضاري ، وأرى أن هذا التوصيف ينطبق في الوقت الحاضر على مصر .
ختام الرسالة :
أن الدور القيادي أو الموجه عربيا ، ليس من الواجب أن تكون دولة بحد ذاتها ، ممكن أن تكون أكثر من دولة ، مثلا هيئة دول ، ولكن يجب أن تكون هيئة غير نمطية أو مكررة لمفهوم جامعة الدول العربية ، وأن تكون ذات قبول عربي بعيدة في نهجها عن الأصولية و عن المفهوم الضيق للستراتيجية العربية المتوافق مع مصلحة كل الدول العربية ..، كل هذا من أجل أبعاد تركيا و أيران عن القضايا العربية لأنه شأن عربي وليس شأنا عثمانيا أو فارسيا !