23 ديسمبر، 2024 9:08 م

السعي الأمريكي لعرقنة الخليج

السعي الأمريكي لعرقنة الخليج

تمتاز السياسة الأمريكية عبر تاريخا غير الطويل أنها سياسة أغبياء، فالأمريكان مخدوعون بقوتهم وجبروتهم، ويرون أنفسهم (الإله الأوحد) للكون بعد أن سوقوا نظرية (موت الإله) سيئة الصيت، وقد أبانت الأحداث أنهم أثبتوا في أكثر من تجربة حقيقة هذا الغباء، ونحن لا نتحدث عن تاريخ بعيد فالورطة التي وضعوا أنفسهم فيها بعد غزوهم لفيتنام كانت أحد أكبر المؤشرات على هذا الغباء.

وقد تلتها وقائع أخرى أثبتت كلها أزمة الفكر السياسي الأمريكي وإفلاسه سواء في تشيلي أو البوسنة أو الصومال، وكانت آخر مغامراتهم الخائبة غزوهم للعراق العزيز الذي أثبت بما لا يقبل الشك أن مقولة الزعيم الصيني الأسبق ماو تسي تونغ: “أمريكا نمر من ورق أمزقه بإصبعي” صحيحة مائة بالمائة، ولاسيما بعد تخليهم عن كل خططهم والهروب من العراق بجلودهم.

لكن يبدو أن العاهر العجوز لا تتعلم من تجاربها السابقة، ولا يهمها أن تفقد ماء وجهها مرة تلو مرة، فها هي اليوم تجرب حظها العاثر، وتقوم بعمل طائش جنوني آخر من خلال دعمها للعدوان الرجعي السعودي الصهيوني على اليمن العربي، معتبرة أن هذا الدعم يأتي لتحقيق السلام العالمي المنشود، والحفاظ على مصادر الطاقة التي يحتاجها العالم، وكأن الحوثيين إذا سيطروا على اليمن سوف يلقون بترولهم في البحر ولا يبيعوه لأحد!.

وإن كانت ملامح التدخل الأمريكي الأخير في الخليج غير واضحة الملامح لكي نتمكن من استقراء هذه الآراء منها، فإن مجرد ما تقوم به يعني اشتراكها الفعلي في الحرب إلى جانب المعتدين، ويعني أنها تستعد لبدء مرحلة ثانية في هذا الحراك بهدف (عرقنة) الخليج، وتحويله بالكامل إلى دول ساقطة تحتاج إلى الدعم والهيمنة الأمريكية لمجرد أن تحمي النظام الحاكم فيها، وتدير شؤونها.

لقد اعترفت أمريكا بنفسها ولأكثر من مرة أنها تقف مع دول العدوان، وتدعم مشاريعها التي تقدمها إلى المنظمات الدولية كمجلس الأمن والأمم المتحدة، كما هو المشروع المشبوه الذي تقدمت به الإمارات لوضع اليمن تحت سلطة وطائلة البند السابع الحقير، هذا البند الذي عانينا من وطأته سنين طوال أنهكتنا وأتعبتها وأفقرتنا وأفقدنا كرامتنا وتسببت بموت الأطفال والشيوخ والمرضى، وحتى الشباب، وعرقلت كافة مشاريعنا التنموية، فسبقتنا جميع تلك الدول التي كنا تستجدي كرمنا ونمد لها يد العون دون منة، ونرسل لها الأكاديميين والعلماء والمدرسين ليسهموا في نهضتها والأموال لكي تنفق على شعوبها.

فضلا عن ذلك تقوم أمريكا وبلا حياء بتزود قوات العدوان بمعلومات مستقاة من صور الأقمار الصناعية وطائرات التجسس عن أماكن تواجد أنصار الله، في وقت بدأت فيه طائرات الإرضاع الجوي الأمريكية بتزويد طائرات العدوان بالوقود في الجو، وتقوم طائراتهم المقاتلة بتوفير غطاء حماية للطائرات الخليجية المغيرة على اليمن، وترابط طواقم الإنقاذ على الحدود لإنقاذ أي طيار يسقط الحوثيون طائرته.

والغريب أن كل هذا الدعم المباشر والإسهام الفعلي بالحرب؛ لا يعتبره أمريكا تدخلا في الشؤون الداخلية للمنطقة.

لكن أن يرفق هذا الدعم اللامحدود بتوجيه تهديد لإيران التي لا زالت تقف على الحياد؛ بأن الجيش وسلاح الجوي الأمريكي سوف يتدخل إلى جانب حلفائها الخليجيين، وأنها لن تسمح لإيران بتهديد مصالح أصدقائها في الخليج، وأن يرفق هذا التهديد الصريح بقول كيري: إن أمريكا تعلم جيدا بالدعم الذي تقدمه إيران للحوثيين. فذلك يعني أن أمريكا بدأت فعلا بتنفيذ الجزء الثاني من خطتها، وأنها ستطور في الأيام القادمة مشاركتها المحدودة؛ إلى فعل قد تضطر معه إيران إلى الرد على العدوان بالمثل، لتحترق منطقتنا ويتحول الخليج إلى مجرد آبار بترول تمد شريان الحياة الأمريكية بالرفاهية لا أكثر.

وحينها لن تكون اليمن إلا مجرد خاسر بسيط جدا، فالمفلس في القافلة أمين، أما دول الخليج المتخمة، فستكون الخاسر الأكبر، وستدفع ثمن هذا العدوان غاليا، بل أغلى من كل توقعاتها. وإن غدا لناظرة قريب.