وسط تداعيات انخفاض أسعار النفط عالميا.. وفي خضم المشاكل الاقتصادية التي يعيشها العراق نتيجة جملة أسباب، أهمها استشراء الفساد بأصنافه، وتدني الحالة الأمنية الى حد يربك الشركات والمستثمرين الأجانب في الإقدام على المغامرة بانشاء مشاريعهم، والمقامرة باستثمار اموالهم داخل العراق.. كذلك انحسار واردات العراق على انتاج النفط وإهمال باقي المفاصل الانتاجية المتعمد كالزراعة والصناعة والسياحة.. علاوة على كل هذه الأسباب وتلك التداعيات تأخير إقرار الموازنة للعامين الماضيين -بفعل فاعل طبعا ولقصد قاصد- وسط كل هذه الأرضيات الهشة صرح قبل أيام أحد النواب وقال إن رواتب ومخصصات حماية المسؤولين لن تثقل ميزانية الدولة.
هنا تفرض المقولة؛ “حدّث العاقل بما لايليق فإن عقل فلا عقل له” نفسها، ذاك لأن القاصي والداني يدرك كم الحمايات الهائل التي تحيط بالمسؤول، وهي معلومة يعرفها أبسط عابر سبيل يصادفه رتل من أرتالهم، إذ تتقدمه حماية.. وتتذيله ثانية.. وتنتظره في مكان توجهه ثالثة.. وأحيانا تحوم في السماء هيليوكوبتر او اثنتان، كغيمة تسير مع المسؤول لتوفير الغطاء الآمن له. وقطعا مامن نفر من هؤلاء الحمايات يعمل “لله وللوطن”.. او كما نقول: “لله بالله”، او (لسواد عيون المسؤول).. فأقل ماينتظره عنصر الحماية شهريا هو مرتبه، فضلا عن امتيازات أخرى تبدأ بمخصصات خطورة ولاتنتهي بمخصصات إيفاد.
ولم يفت نائبنا ان يدافع في تصريحه عن حمايات المسؤولين بالقول أنهم جزء من ابناء الشعب العراقي ووظيفتهم تقع ضمن مؤسسات الدولة. هنا فاته أن كل أفراد الشعب مسؤولون من قبل الدولة، سواء أموظفين كانوا أم غير موظفين!. وأظن أنه شط كثيرا عن الحق والحقيقة، حين قال: “وقد لاحظنا قبل مدة حادثة النائب زيد الجنابي عندما اعتدى عليه مسلحون بالرغم من وجود حمايته وهذا ما يجعل الحمايات هي من الدواعي الامنية”. وبتحليله هذا يدعو الى زيادة عدد الحمايات فوق ماهو عليه الآن.
وباستطلاع واستقراء سريعين لضوابط وأصول تعيين عناصر حماية المسؤولين، يتضح لنا ان التعليمات تنص على ان لكل نائب (30) فردا كحماية شخصية، ولكن بعض النواب يكتفي باثنين او ثلاثة فقط من افراد الحماية، اما الباقون فهم مجرد مستمسكات ورواتب وهمية.
ومن اللافت للنظر.. أن أغلب عناصر حماية المسؤولين لايتسلمون رواتبهم بأنفسهم، بل تسلم -إضافة الى المخصصات- بيد المسؤول حصرا، وهو يتولى توزيعها وتقسيمها، بموجب نظرية؛ (ودّع البزون شحمة) وهذه الآلية لم تعهدها نظرية او قانون او سياق سابق في عراقنا الجديد او -العتيگ- او أية دولة أخرى..! إذ حتما ستكون “قسمة ضيزى”، بل أن بعض عناصر الحمايات الشخصية لايعرف مقدار المرتب الشهري الذي يتقاضاه، او المخصصات المصروفة له.
كما أن انتقاء عناصر الحماية لا يخضع لشروط الكفاءة والمؤهلات، فأغلبهم ينتمون إلى الحزب الذي رشح المسؤول، والبعض الآخر تم تعيينه من قبل مجلس النواب، وهؤلاء جميعا تصرف مرتباتهم ومخصصاتهم من ميزانية الدولة العراقية.
فيا مسؤولينا ونوابنا.. فردا فردا.. جملة ومفرد.. نثية وفحل.. هل تعلمون أن حماياتكم لاتحمي المواطن..؟ يقول مثلنا؛ (أگعد اعوج واحچي عدل).