المجموعة الشعرية الجديدة ( دمية عالقة بين أسلاك شائكة ) للشاعرة إبتهال إبليبل تقودنا مذ صفحاتها الأولى الى أن الشاعر حين يكتب نصوصه الشعرية ، هل ينحو نحو تدمير الذات بما تحفل من إسقاطات وسيل من المناكدات الباطنية أم تنحى نحو إحياء الذات وإعادة جمع وترتيب قواها المسروقة وتركيب صورها وأحلامها للوصول الى العفوية اللاإرادية كي تعيد للإنسان هويته الذاتية لإستكمال خطاه في العالم اللامتناهي والإنقياد للمجهول عبر ترتيب دقيق للموجودات بالتركيز على المشتركات المادية المؤثرة وكذا الإنسجام والبعد الميتافيزيقي كقوة ساحرة إستكشافية وليس كوسيلة من وسائل التحقق في كشف قوى الغيب وأسرار الحياة ،
من هنا أجد في هذه المجموعة أن هناك شواهد نسقية لرؤيا المكان ،المكان الشاسع وكذا الذي يفصل عن المكان الآخر خطوة واحدة أي أن هناك إدراك حسي وعليّة ما لتحقيق وجودية المكان ، وجوديته كونه المؤثر في حركية النص وكونه الإشارة والنقطة المركزية ولكنه لدى الشاعرة مكانا من العسير الإمساك به ، ومن العسير وضعه ضمن مركب منسجم والأدهى والأمر حين يكون ذلك المكان ( البيت ) مثلاً ، وهو المصدر الرئيس لإستيعاب الذكريات وهو المصدر الرئيس لجمع الأحلام وهو المصدر الرئيس لمعبر العاطفة والجنوح من خلاله للقوى النفسية وأساسيات التفاعل الوجداني ،وهنا تستقرئ الشاعرة إبتهال بليبل حواسها التي تخضعها للتعويض عن القيود التي وضعت حولها أي القيود التي جعلتها تعيد النظر بوظيفة حواسها فالأشياء وهي تخلق تضادا في رسم صور الأشياء وفي إنفتاحها الزمني وسط معضلتها الشعرية في تقريب متحولاتها بعضها مع البعض لتشكل لنا قناعاتنا بأن جميع أفكارنا التي ندركها أفكاراً مضللة ليبدو أن هذا العرض يحقق أسسا عميقة في عرض الأحداث كحالة ظاهراتية تدخل ضمن صراعات الإنسان مع ما يحس به وما يستطع التعبير عنه ،وأيهما يكون له الغلبة ،نجد لدى الشاعرة إبتهال بليبل
في أسلاكها الشائكة أن علاقات الصور الشعرية والتي تشكل وحدات الإستقطاب الأولية في النص تتصل بعضها بالبعض بشكل متماسك لكنها سرعان ماتلجأ للمغايرة أو بالأحرى الهروب من التماسك الكلي للمشاهد الشعرية الى مشهد آخر ينأى بنفسه عن الترتيبات الأولية وبذلك فأن هذه الإنتقالية تقدم لنا غير المتوقع ، تقدم لنا مايثير بنفوسنا السعي للقبض على المتضاد من هذا الإفتراق ، ونعتقد أن الشاعرة ضمن هذا التوجه في كتابة نصوصها قد ضمنت مقدما الترتيب الحداثوي في التعامل مع المشاهد الشعرية وكذلك حرية إختيار المفردات الجديدة غير المكررة والتي تؤمن لها بيئة ملائمة لطقسية النص ،
لابد من الإشارة هنا إن النصوص تصل مبتغاها إن كانت ضمن النصوص القصيرة ( العمياء – مظلة ومعطف – صمت- الخيط – بالونات – الساطور … ) أو كانت ضمن النصوص الطويلة (رسالة مكتوبة بالبارود- صلاة الإستسقاء – كأنها ميتة ……) تصل مبتغاها كون الشاعرة ترى أن كل الأشياء التي على الأرض أشياء مجدية وفاعلة بالنسبة للشاعر ولا وجود للقصدية في إيجادها أو في نتائج هذا الإيجاد ،وهذا الموقف موقف تحرري يدلل على أن الإنتساب
الى الشعر يعني الإنتساب الى التجربة المريرة للإنسان والى حيرته وجرأته في تقصي بنيوية وجوده ،نعتقد أيضا أن الشاعرة وعبر دمية عالقة بين الأسلاك قد وضعتنا في دفتر ليلها كي يقرأنا يوما الآخرون ،