أطلت علينا منظمة هيومن رايتس ووتش المعنية بحقوق الإنسان ، بتقريرها الأخير المثير للغرابة والجدل ، وذلك بوضع فصائل الحشد الشعبي في خانة الاتهام ، واتهامها بارتكاب جرائم بحق المدنيين في المناطق المحررة من العراق ، ووصل هذا الاتهام إلى درجة مقارنة الحشد الشعبي بداعش وما ارتكبته من جرائم على امتداد نفوذها في العراق وسورية ، وتأتي هذه الاتهامات كجزء من الحملة السياسية والإعلامية الموجهة ضد أبناء الحشد الشعبي التي تقودها جهات ومنظمات دولية وإقليمية ، وشخصيات سياسية عراقية ، لتثبيط الهمم وإرباك أداء هذه القوات العقائدية في سوح القتال ، ولخلق حالة من الخوف والتردد لدى المقاتلين في أداء واجبهم الوطني الذي فرضته عليهم اعتبارات دينية ووطنية ، كونهم أبناء فتوى المرجعية الرشيدة ، واحد تجليات حضورها في المرحلة العصيبة التي يمر بها العراق في تاريخه المعاصر … فقبل هذا التقرير المشين لهذه المنظمة التي توضع عليها العديد من علامات الاستفهام منذ نشأتها ولغاية الآن ، اصدر الأزهر في مصر بيان مثير للريبة والفتنة ، وفي توقيت حساس ومهم بالنسبة للواقع السياسي والاقتصادي المصري ، فقبل مؤتمر شرم الشيخ الذي خصص لتقديم الدعم الاقتصادي والمادي لمصر ، صدر بيان الأزهر وعلى لسان شيخه احمد الطيب ليكيل فيه بعض الأكاذيب والمزاعم عن وجود انتهاكات وقتل بحق الطائفة السنية في المناطق المحررة من تنظيم داعش الإرهابي قام بها أبناء قواتنا المسلحة ورجال الحشد الشعبي ، ولم تكن هذه الاتهامات مبنية على دلائل أو شواهد سوى ما تروج له وسائل الإعلام العالمي والعربي الصفراء التي لا تريد خيرا للعراق وأهله ، وجاء في البيان … (إنهم قلقون عما يرتكب من مجازر وحشية يقوم بها الحشد الشعبي المتحالف مع الجيش العراقي في مناطق السنة ) …
وإذا ما عرفنا الدوافع التي وقفت وراء مثل هكذا بيان يثير الكثير من النوازع الطائفية في المشهد العراقي المحتقن أصلا ، وان الأموال الخليجية هي التي كانت تقف وراء هذا الحضور الغير مرحب به للأزهر في الأزمة العراقية الحالية … شكل الأزهر ثقلا دينيا كبيرا في العالمين العربي والإسلامي ، على الرغم من تراجع دوره في الوقت الحالي أمام زحف الفكر السلفي المتشدد المدعوم بالأموال الخليجية … لكن بالرغم من ذلك بقي الأزهر ورقة رابحة بيد بعض الأطراف الإقليمية والخليجية يبثون فيه الحياة متى ما تطلب الأمر لذلك ، كما حدث في موقفه الأخير اتجاه العراق ، والذي انكشفت فيه الدوافع والجهات التي تقف ورائه من خلال تصريح محمد البرادعي ، بان ثلاث مليارات دولار منحتها السعودية لمصر كانت مرهونة بصدور مثل هكذا بيان من جامع الأزهر … إن الهدف من وراء هكذا أطروحات واضح وجلي للعيان وهو لإثارة النعرات الطائفية في العراق ولعرقلة التقدم الكبير الذي يحرزه أبطالنا في حربهم ضد التطرف والإرهاب ، والذي جاء الرد عليها سريعا ومن أبناء السنة أنفسهم في بيان أصدرته جماعة علماء العراق برئاسة الشيخ الوطني النبيل خالد الملا والذي فند فيه الادعاءات والأكاذيب التي حملها البيان المدفوع الثمن مسبقا … تلا هذا البيان التصريح الخطير للجنرال الأمريكي ديفيد بتريوس الرئيس السابق لوكالة الاستخبارات الأمريكية وقائد للقوات الأمريكية التي كانت تتواجد في العراق ، لصحيفة الواشنطن بوست ، ( ان الخطر الحقيقي على مستقبل العراق والأمن في المنطقة على المدى البعيد لا يأتي من داعش بل من مليشيات الحشد الشعبي )…لكنه بالرغم من ذلك فقد اعترف مرغما بان قوات الحشد الشعبي قد تمكنت من وقف زحف داعش على الأراضي العراقية ومنعته من التمدد إلى مدن أخرى ، إن مثل هكذا تصريحات هستيرية ما هي إلا تعبير على حالة الإحباط الذي تعيشه الإدارة الأمريكية مما تراه من انتصارات كبيرة وسريعة تتحقق على أيدي هؤلاء الإبطال بمعزل عن حضورها أو تدخلها ، وهي دليل عافية على قدرة العراقيين على امتلاك زمام المبادرة دون الخضوع للاملاءات الخارجية التي لا تريد خيرا للعراق وأهله … ومن ثم جاء تقرير منظمة هيومن رايتس ووش لتكتمل به خيوط المؤامرة على أبطال الحشد الشعبي والذي وصفت به الحشد الشعبي بالمليشيات وجاء فيه …( ان المليشيات تصعد من انتهاكات قد يرقى بعضها إلى جرائم حرب ، وان جرائمها تزداد وحشية وسط تجاهل الحكومة العراقية ) ، وأسهب التقرير بذكره لجملة من الأكاذيب والافتراءات عن قيام الحشد الشعبي بعمليات سلب ونهب في المناطق التي كانت تسيطر عليها داعش ، وعن قيامهم بحرق عشرات الدور العائدة لأبناء الطائفة السنية في هذه المناطق ،وادعت على ان تقريرها هذا قد اعد على أساس لقاءات مع أبناء هذه المدن وشهود عيان بأسماء مستعارة ، وصور الأقمار الاصطناعية …
إن مثل هكذا تقارير من منظمة تدعي الحيادية والموضوعية وفي هذه المرحلة التي تشهد انتصارات كبيرة لأبناء القوات المسلحة والحشد الشعبي الأبطال على قوى الشر والظلام المتمثلة بداعش وحلفائها ، تثير تساؤلات عدة ، عن الأهداف والدوافع التي تقف ورائها ، وما هي الرسالة التي تريد هذه المنظمة إيصالها الى العالم حول ما يجري في العراق حاليا … ان من يبحث في نشأت هذه المنظمة والأسباب التي وجدت من اجلها ومن يقف ورائها سوف يجد الأجوبة عن هذه التساؤلات … منظمة هيومن رايتس ووش هي منظمة غير حكومية تعنى بحقوق الإنسان ، والترجمة الحرفية لاسمها (مراقبة حقوق الإنسان ) ، تأسست عام 1978ميلادي ومقرها مدينة نيويورك ، كان الهدف الرئيسي من وراء وجودها ان تصبح جزء من البروباغاندا الإعلامية الغربية الرأسمالية المعادية للمعسكر الاشتراكي ،بحجة المراقبة والتحقق من الاتحاد السوفيتي عن مدى التزامه باتفاقية هلسنكي المبرمة بين الدول الأوربية عام 1975 ميلادي ، تظم هذه المنظمة مئة وثمانون عضو وظل يرأسها من تأسيسها ولغاية عام 1999 ميلادي اليهودي روبرت برنشتين وهو الآن رئيسها الشرفي ، تعد هذه المنظمة اكبر المنظمات الدولية في العالم وأشهرها التي تعنى بحقوق الإنسان ، وتعتمد ميزانيتها على المنح والتبرعات ، واكبر المتبرعين لها هو اليهودي جورج سوروس ، فمن بين مئة وثمانية وعشرون مليون دولار ميزانيتها لعام 2010 تبرع لها هذا اليهودي وحده بمائة مليون دولار … إذن ليس من المستغرب أن يصدر هكذا تقرير لينال من الحشد الوطني من هكذا منظمة نشأت على أساس سياسي نفعي يشرف عليها ويمولها مجموعة من اليهود المتصهينين ، ظلت لفترة طويلة تعمل ضمن نطاق وحلقة وكالة المخابرات الأمريكية CIA … إن هذا التقرير وما سبقه من حملة إعلامية غربية وعربية وإقليمية ضد الحشد الشعبي تأتي كلها ضمن مؤامرة دولية كبيرة تقودها الولايات المتحدة الأمريكية الهدف منها إجهاض هذه التجربة الفريدة والمحورية في تاريخ العراق الحديث ، والتي أسهمت في إعادة الأمور إلى نصابها ، وتمكين العراقيين من الإمساك بزمام المبادرة من جديد ، بعد الخلل الأمني الكبير والتداعي السريع للمنظومة الامنية العراقية في أحداث التاسع من حزيران عام 2014 وما تلاها ، وسقوط الموصل ومساحات كبيرة من المناطق الغربية بيد الإرهاب المتمثل بداعش وحلفائها حتى أصبحت العاصمة بغداد في مرمى التهديد من هذه الجماعات ، بعد أن تنصلت الولايات المتحدة الأمريكية من الاتفاقية السيتراتيجية الموقعة مع الحكومة العراقية عام 2008 والتي تقضي بتدخل قواتها العسكرية اذا ما تعرض العراق لخطر عسكري يهدد امنه واستقراره ، لذلك كان لفتوى المرجعية الرشيدة المتمثلة بسماحة اية الله العظمى السيد علي السيستاني بالجهاد الكفائي تمثل نقطة تحول في هذا الصراع قد فاجئ الجميع ، وقلب الطاولة على كل من خطط وهيأ وأعد لهذه المؤامرة ، فترك الكثير من أبناء هذا البلد المخلصين عوائلهم وأعمالهم ومصادر رزقهم تلبية لهذا النداء المبارك ، ولعمق وتحذر انتمائهم للعراق وشعبه ، باذلين أرواحهم دفاعا عنه بلا مقابل او مكاسب دنيوية ، لذلك كان لحضور مثل هذه الثلة المؤمنة ذات الانتماء العقائدي إلى ارض المعركة الأثر الكبير في تغيير موازين القوى عليها ، وهذا ما أغاض الأعداء والمتربصين شرا بالعراق في الداخل والخارج ، وان كل ما يحدث من تخرصات وأكاذيب بحق الحشد الشعبي ما هو إلا ردة فعل عن حالة إحباط وشعور بالهزيمة ، امام قوة فرضت نفسها على ارض الواقع لم يكن في حسبان الكثيرين إنها ستوجد يوما ، مهما تطورت الأحداث أو ساءت الأمور في العراق … أما فيما يخص الهواجس التي يحملها البعض في الداخل والخارج بشان مصير هذا الحشد الشعبي المبارك بعد أن تتحرر مدن العراق ويعود الأمن والسلام الى ربوعه ، فاعتقد إن الفتوى التي أخرجت هؤلاء المؤمنين من فتية ورجال وشيوخ ليدافعوا عن ارض العراق ومقدساته وشرف نسائه ، لهي كفيلة أن تعيدهم مرة أخرى إلى عوائلهم في مدنهم في الوسط والجنوب التي غادروها لشهور طويلة بلا مرتبات او مصدر للرزق ، وانهم سيبقون صمام الأمان لمستقبل العراق وخزين وطني لا ينضب ، يمكن استحضاره متى ما تطلبت الأمور لذلك وتعرض العراق لخطر مماثل لما يحدث الآن … لذلك على الحكومة العراقية استثمار هذه التجربة والوقوف عندها طويلا واخذ العبر والدروس منها عند التخطيط لمستقبل العراق ، والذي سيكون أفضل بكثير مما مضى ، وان تعمل على حماية هؤلاء الأبطال من حملات التشويه التي تمارس بحقهم ، لانه لولاهم لتغيرت خارطة العراق عما هي عليه الان .