19 ديسمبر، 2024 8:07 ص

قبل الهيمنة الإيرانية على إقليم كردستان

قبل الهيمنة الإيرانية على إقليم كردستان

العلاقة بين الحكومة المركزية العراقية التي يقودها التحالف الوطني الشيعي، وإقليم كردستان شبه المستقل في توتر مستمر، رغم وجود حوار متواصل بين الطرفين وشراكة في البرلمان والحكومة، ولكن مشاكل كثيرة أدت إلى تدهور العلاقات بينهما، ومن أهمها وأصعبها مشكلة الأراضي المتنازع عليها التي عالجها الدستور من خلال المادة 140، ولو باشرت حكومة “إبراهيم الجعفري” (2005) ومن بعدها حكومة “نوري المالكي” (2006) في تطبيق هذه المادة الدستورية المهمة، ولم تقم بالالتفاف عليها ووضع العراقيل والعقبات أمام تطبيقها، لما آلت أمور الدولة إلى ما هي عليه الآن، ولحلت أهم وأخطر مشكلة إثنية وقانونية واجهت الحكومات العراقية المتعاقبة منذ قيام حكومة ياسين الهاشمي (1924) بأول حملة تعريب واسعة في مدينة كركوك، وكان من الممكن للتحالف الوطني الحاكم أن يدشن عهده بإصلاح سياسي ويضع مصالح الأمة العراقية فوق مصالح الطائفية والحزبية، ويتخلى عن سياسة التبعية لإيران، ويسجل لنفسه تاريخا وطنيا مشرفا، ولكن لم يقم بذلك، بل راح يشيع بين العراقيين الفوضى والفتن، ويضرب بعضهم ببعض ويحولهم إلى أعداء متصارعين، يسود بينهم الحقد والكراهية وعدم الثقة.. لم يستطع طوال سنوات حكمه العجاف أن يعالج أزمة واحدة عانى منها العراقيون، بل خلق لهم أزمات جديدة ومشاكل حولت العراق إلى أفشل دولة في المنطقة، رفض معالجة المشاكل مع الأكراد وفق المادة 140 الدستورية بحجة أنها تساعد على تقسيم العراق، وبنفس المنطق المعوج رفض المواد 116 و117 و118 و119 الدستورية التي تجيز للمحافظات السنية إقامة الأقاليم الخاصة بها، ولكن ما هي الأسباب الحقيقية لعداء التحالف الوطني المستحكم للكرد بشكل عام، ولشخص رئيس إقليم كردستان “مسعود بارزاني” الذي أصبح الحاكم شبه المطلق للإقليم بعد الانتخابات التشريعية، التي جرت في عام 2013، والتي فاز فيها حزبه “حزب الديمقراطي الكردستاني” بـ38 مقعدا من مجموع مقاعد البرلمان الكردي البالغة 111 مقعدا، بينما خسر حزب الرئيس “جلال طالباني” (الاتحاد الوطني الكردستاني) المنافس، الذي شارك في قيادة الإقليم مع حزب الديمقراطي الكردستاني مناصفة منذ 1992، والذي نال 18 مقعدا فقط، وهذه النتيجة المتواضعة التي مني بها حزب “طالباني” أثرت على دوره القيادي السابق في إدارة الإقليم وأفقدته مناصب مهمة كثيرة كان يتولاها سابقا، ولم تشمل الخسارة هذا الحزب فقط،
بل طالت التحالف الوطني الشيعي ومن ورائه إيران أيضا، لأن “طالباني” كانت له علاقات مميزة مع إيران منذ الثمانينات من القرن الماضي، وظلت هذه العلاقة تتطور فيما بعد وخاصة بعد توليه رئاسة جمهورية العراق لتتحول إلى تحالف قوي، وفقا لهذا التحالف أصبح لزاما على”طالباني” دعم حكم “المالكي” ومساندته رغم كل مساوئه وأخطائه القاتلة، ويكفي أنه قد أبطل قرار الجبهة المعارضة بزعامة “بارزاني” القاضي بسحب الثقة من المالكي عام 2012.
ولم ينس حزب الدعوة الفصيل الأساسي المهم في التحالف الوطني، الذي يتزعمه “المالكي” ما قام به حزب الديمقراطي الكردستاني وزعيمه “بارزاني” ضده، فأخذ يؤجج العراقيين عليه ويثير حوله الإشاعات المغرضة ويتهمه بتهم خطيرة، وصلت بعضها إلى حد الخيانة والتمرد على الدولة وإيواء الإرهابيين وضرب الوحدة الوطنية، وذهب البعض من أعضاء حزب الدعوة إلى المطالبة بتطبيق المادة 4 إرهاب عليه ومحاكمته بتهمة الإرهاب!.. ومهما كانت التهم التي توجه إلى رئيس الإقليم والعقوبات الاقتصادية والمالية التي تفرض على الشعب الكردي، والمبررات الواهية التي يستند إليها التحالف الوطني، فإنها تأتي نتيجة مواقف “بارزاني” الرافضة لسياسة الهيمنة التي يمارسها التحالف الوطني وإيران والنظام السوري في المنطقة، وهذه المواقف كلفت الشعب الكردي ثمنا باهظا، حيث تعرض لحصار اقتصادي جائر لم يسبق له مثيل، ورغم إصرار الإقليم ورئيسه على عدم الخضوع لشروط بغداد وطهران في فك الحصار حتى الآن، إلى متى سيبقى الإقليم صامدا أمام الحصار الذي يفرض عليه بوحشية منذ أكثر من أربعة عشر شهرا؟ هذا هو السؤال الموجه لدول الخليج والسعودية قبل غيرها.. فمن مصلحتها “الاستراتيجية” ألا تسقط “أربيل” في حضن إيران.

أحدث المقالات

أحدث المقالات