راج في الأسواق العربية سوق المصطلحات الأجنبية، فتعولم لسان المثقفون بالسريالية، والبرغماتية، والسيكولوجية، والديمقراطية، والحداثة وبعد الحداثة، والديمغرافية، والأنثروبولوجية، وكلما إزداد حجم جعبتهم من المصطلحات، إزداد رصيدهم الثقافي في أعين الناس، فأصبحوا كباراً جداً، سواء كان حضور المصطلحات يطرق الأفهام أو لا. ومن تلكم السلع الرائجة، والتي نالت حضوةً أكبر من غيرها في أرصدتهم، هي سلعة العولمة، وهومصطلح كغيره من المصطلحات التي لايتماشى مع منسوب ثقافة المجتمع عامةً ولغته خاصةً. لكن باتت هذه المصطلحات مؤونة المثقف العربي ومقبلات خطاباته وحشو مقالاته، الإستعراضية، لشد البصر والبصيرة الى هالة ثغره ورصيد ثقافته الأبقع، قبل محلها من الإعراب، من أن تُنصب أو تُرفعْ أو تُقلع.
لظاهرة إستخدام المصطلحات
أسباب:ـ
أولاً:
نفسية :ـ
الشعور بالدونية وغياب الفهم الحقيقي للمصطلحات، كالتفكيكية، والسريالية والسيمائية والحداثة ومنها المخترع الجديد القديم، المسمى بالعولمة، وستأفل كلها، كما أفلت غيرها سابقاً وحديثاً من المصطلحات كالكونية والأمركة والنظالم العالمي الجديد أو الكلوية وغيرها .
وراثية:ـ
القداسة الوراثية الراسخة في العقلية العربية للألفاظ اللغوية، وخاصةً إذا ما شابها الغموض والتقعير والغرابة، لتعلوا مرتبة تعانق الإلوهية، كما كان غموض كلمات سجع الكهان لصبيان الماضي من ذلك الزمان.
فما لا يكون فيه غموض، لا قيمة له، فبدونه تبور تجارة الكاهن، والمثقف العربي يعلم أن العربي يسحره الغامض منها، فينجذب اليها كإنجذاب نشارة الحديد للمغناطيس، وهذا ما يجعله يعشق كُهان هذا الزمان أيضاً، ولايرغب بمعرفة السبب، لأن الداء الوراثي له دور في التمغنط الحاصل للغموض، فحلاوة الغموض عنده كحلاوة الخيال وفيه يقع الذهول الطرب.و
لذا يهيم المثقف العربي تيمناً فيها، فيبارك لها بفردوس البحوث والمؤتمرات والمآدب ، عسى ولعلَ أن يفهمها يوماً ما. ولكن لايرغب، ولو فعل لبارت تجارته، فيفروا من حوله وينعقد لسانه. بل عادةً، يخرج من تلكم المؤتمرات وهو يحمل تساؤلات أكبر عنها. ولوعلم معناها،لايُدخلها مرماها وهكذا كان دوماً حال أمة العرب في الجوهر والمطلع.
لسانهم العلم والحكمة، وبيتهم خَرِب ، وصدق الشاعر إبراهيم إبن أدهم حين قال:
أعربنا كلامنا فما نلحنٌ.. ولحنا في أعمالنا فما نعرب حرفاً.(١)
النتيجة:
خارطة عقل المثقف العربي مستمرة في الإنكماش بالتقادم، لتعاطية مخدرات الألفاظ اللغوية، ومنها التمتع بعولمة الكلمات الأجنبية التي يعربها في فلك اللسان، ليحلوا له لعِبها وهي تموج كموج عروس البحر بلباسها الإغرائي، وبعد الغطس والدوران، يخرجها مصاغةٌ بمثاقيل الفعللة على وزن الصوملة والحوملة والبسملة.
ومن المفارقات الغريبة ؛ أن إرتفاع منسوب الشهادات العلمية والأدبية العالية المتعالية في البلدان العربية إلى أعلى من قمة برج دبي، صاحبه إرتفاع منسوب الجهل بالمثل أوفاض عليه فيضاناً عظيما، وكأن العلاقة عِلية متلازمة، كتلازم العلة بالمعلول والعاقل بالمخبول.