لا يزال شباب المجتمع العربي بعيدا عن المعنى الروحي للإسلام وهذا ما نلمسه من خلال البرامج التلفزيونية المشجعة لهذه الشريحة للتشبه بالغرب كآراب آيدول و إكس فاكتور و نجم الشعب و غيرها التي تخلو من روح دين سيد الخلق صلى الله عليه و سلم و هذا يدفعنا لنذكر مثالا عن الإمام الشافعي الذي كان يجلس في الجامع و يلتف حوله تلامذته، كلهم يسألون و كان يجيب، إلا واحدا ظل صامتا طول الوقت، و في كل مرة يحاول الإمام الشافعي أن يريح رجله التي اتكأ عليها فيتحرج من هذا الرجل الوقور الذي ينظر إليه و لا يسأل. و أخيرا تكلم الرجل الوقور و كان كلامه سخيفا، فقال الشافعي: لقد آن للشافعي أن يمد رجله!
و العبرة من هذا المثال هو سخافة ما يشاهده شبابنا اليوم و الذي ينعكس على ثقافتهم السطحية الساذجة من خلال أقوالهم و أفعالهم، و المثقف الحق هو من يملك رؤية نقدية و إصلاحية خاصة ووعيا خاصا بمجتمعه و العالم من حوله كإمامنا الشافعي رحمه الله.
صارت القنوات الفضائية تروج للموضة و المكياج و الأحذية و السيارات بتكنيك بارع و أخاذ و تناست الترويج للأخلاقيات التي رسم ملامحها سيدنا و شفيعنا محمد صلى الله عليه و سلم بل و جعلت أصوات بعض الدعاة تغرق آذان المستمعين في ضجيج إعلامي مبني على خلفية سياسية بعيدة كل البعد عن الرسالة المحمدية لقوله تعالى: “ادع إلى سبيل ربك بالحكمة و الموعظة الحسنة و جادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ظل عن سبيله و هو أعلم بالمهتدين (125)” (النحل).
إن نوعية ثقافة الشباب العربي هي مفتاح التغيير في شتى المجالات مما ينعكس على سلوكيات المجتمع و اختياراته و مساراته دون استبعاد احتكاكه بالغرب حسب نظام إسلامي بحت حتى لا يقع في فخاخ التقهقر و الغفلة و الأفكار الفاسدة و المنحرفة.
تساهم عملية التبادل الثقافي في اكتشاف ما نحن بحاجة إليه للإبقاء على بريق ثقافتنا الإسلامية و جاذبيتها و هذا ما سيدفع بطرح تلك العادات و السلوكيات التي لم تعد تتفق مع نسقها العام و بنيتها العميقة، و هذا لا يستبعد أهمية إكتسابها لمفاهيم جديدة تواكب التطور العلمي و الحضاري.
للأسف الشديد ثقافتنا اليوم تمر بحالة مرضية طارئة لما يشهده الوطن العربي من أزمات كجسد عليل انخفضت مناعته خصوصا أن فئة الشباب تعاني من ريح موجة غربية ساندتها للأسف الشديد بعض البرامج العربية للترويج لثقافة الوهم و الفن الذي يفنى مهما طال الزمن على خلاف العلم الذي يظل وجوده فوق المعمورة لينتفع به الناس إلى أن يرث الله الأرض و من عليها لقوله تعالى: “يرفع الله الذين آمنوا منكم و الذين أوتوا العلم درجات (11)” (المجادلة).
هناك من شبابنا العربي من سافر لطلب العلم في الدول الغربية لكنه لم يستطع بسهولة الحفاظ على روح ثقافته الإسلامية بل هناك من وجد صعوبة في نقل أفكاره الأصلية و تأثر بسهولة بسلوكات الغربيين و كأنه ركب سيارة من طراز فاخر و لم يستطع استخدام حزام الأمان ليتفادى موجة الأخطار الموجودة عندهم لقول الله تعالى: “أمن هو قانت آناء الليل ساجدا و قائما يحذر الآخرة و يرجو رحمة ربه قل هل يستوي الذين يعلمون و الذين لا يعلمون إنما يتذكر أولوا الألباب (9)” (الزمر).