19 ديسمبر، 2024 12:20 ص

وقفة مع قصة ( ليلة عرس ) لناطق خلوصي

وقفة مع قصة ( ليلة عرس ) لناطق خلوصي

( انزياح افق الانتظار )
تقوم بعض الكتابات القصصية على اختيار الزمن السردي ضمن افعال زمن ظاهر تجري من خلاله الاحداث المحكية وفق اقتتطاع ديمومة صنع الحدث المتصاعد نحو اللحظات الزمنية المتصلة داخل حدود مساحة السرد القصصي المتقدم بملء الفراغات التي تظهر دون فاعلية ما ، وعلى هذا فاننا عندما نقرا هذه القصة القصيرة نشعر كأن فعل الشخوص والاحداث ماهي الا مدى هلامي بين افعال الذاكرة وعلاقة الزمن حيث اصبحت الاشياء من خلالها اشبه بالنسيان والتلاشي . لقد قام القاص ناطق خلوصي في مستهل احداث قصته ( ليلة عرس ) المنشورة في صحيفة الزمان العدد ( 3610/ 3 حزيران / 2010 ) بالتتابع البنائي عبر سرده لصوت السارد داخل عربة القطار ، ويعد هذا النسق في البناء القصصي من الانساق التي اعتمدت اسلوب ( التداعي السردي) وعند الشروع في قراءة تفاصيل الاحداث نلاحظ بان زمن الشخوص تتحرك في زمن ( الحاضر الماضي ) حيث تمارس البطلة فعلها السردي بين ماضيها وحاضرها دون ولوج ثمة ترتيب حدثي يوحي بالبناء السردي نحو تصاعدية ذروية ما بل ان كل ما وجدناه في قصة ناطق خلوصي ، مجرد امرأة تمتلك بقية جمال وانوثة ومن خلال ظروف خاصة تقتضي السفر مع صديق زوجها الشاب داخل عربة القطار متوجهة الى مكان بيت اهلها ، وعلى هذا تتم بعض المصادفات وهي مكوث عروسان في مقصورة واحدة ، فيما تفجر هذه الحادثة بداخل تلك البطلة نوازع الشبق والحسرة بجانب اشتعالات واحتمالات ذلك الشاب المتأهب لاقتناص مثل هذه المشاعر من المرأة ، ووسط قيام مثل هذه الاحداث نلاحظ بأن مافعله ( ناطق خلوصي ) ماهو الا استخدام تقليدي للحبكة السردية والتي تذكرنا الى حد بعيد بروايات احسان عبد القدوس واجواء قصص يوسف ادريس كما وتذكرنا بملامح القصة الستينية في العراق ، ففي قصة ( ليلة عرس ) يبدو الزمن وهو يتكون من طبقتان مركبة بشكل عمودي وهو : الماضي البعيد ( المراهقة ) والماضي الحاضر ، وصوت المؤلف وهو يلعب على امكانيات الزمن هذا وعلى طبقاته بحيث يظل الماضي مع الحاضر يشكل بعدا حيا ومتصلا مع دقائق الحاضر ، في وقت نجد بان القاص احيانا يلغي الزمن الافقي المستقيم والحكاية والحبكة المركزية من اجل الافادة الكاملة من عقدة التداعي السردي ، الذي يقوم في

الاساس الاول على استخدام الزمن النفسي لا الزمن الميكانيكي للحدث ، ويمكن النظر الى بعض فقرات القصة والى صنعة القاص من خلالها ، لنستدل على ان هذه محاول من القاص نفسه لغرض ملء فراغ تقنية العمل القصصي ، وعلى مستوى اخر نلاحظ بان مهام القاص تتفق وتوزيعية المشهد القصصي لديه لا البعد الربطي بين شكلية الحدث .

( نسق زمني صاعد )

من خلال وتيرة عرض الاحداث في قصة ( ليلية عرس ) نعاين بان هناك نقطة بداية والتي قد اختارها القاص بهذا الشكل ( استفز فضولها صوت جلبة تضج بها رحبة المحطة : فنهضت من مكانها وخطت خطوتين وصارت وراء نافذة المقصورة واخذت تتابع المشهد بعينين ساهمتين : احست به يدنو منها ويقف الى جوارها وقد راحت ذراعه تحتك بذراعها لكنها لم تنتج عنه سمعته يهمس قريبا من اذنها : يبدو انك تريدين ان تتذكري ليلة عرسك ) من هنا يبدو ان القاص يحاول اشاعة لحظة حاضرة مترامية الاطراف يظهر فيها الماضي غير منظم او غير مرتب ، فالعلاقة هنا ما بين هذه الشخوص ملموسة غير انها في الوقت نفسه توحي الى حضور غامض وغير ملموس لا سيما وان شخصية المرأة تلك تعزف عن شيء ما بداخلها : ( لم تشأ ان تتبسط معه في الحديث فهي ليست في وضع نفسي يؤهلها لان تفعل ذلك) نستنتج من هذا بان ( الفاعل الاخر ) هو الرغبة في تغيير الوضع وهذا اتجاه مغاير يحاول من خلاله ناطق خلوصي تجسيد مقولة التصدي ونحن هنا انما نجد بان ثمة نسق زمني صاعد نحو احالة افتراضية ينبغي ان لا تغيب عن مجسات القراءة .

( العامل الموضوع )

ومن خلال تعاقب الفواعل في الموضوع نجد بان ( المفعول ) هو المتغير اذ لا يمكن ان يتخلى الفاعل عن الرغبة المكبوتة : ( فتحت عينيها على صوت قدميه فرأته يتحرك وكانه يتأهب لان يفعل شيئا ) ان القاص ومن خلال عملية تداخل القطبين او اكثر في الدلالة لشيء ما فانه ينتج عن ذلك ارسال شفرة لكي يوصلنا الى الاخر وحتى النقطة الدالة نحو معادلة ايهام او تقويض ، والعامل الموضوع هنا نتلمسه من الرغبة المفروضة على ( الفاعل الذات ) للظفر بقلب دلالة المرأة ، وحالة ادانه زوجها وماضيها الذي يدعوها الى اخفاء رغبتها ( ذهبت الى غرفة الفراش ) وخرجت بحشية ووسادة وسارت بهما صوب غرفة الاستقبال : وقفت عند بابها شاعرة بغصة الم روحي انها لا تكره مكانا في البيت سوى هذه الغرفة . دفعت الباب ودخلت وشعرت كأن باب قبر تنفتح امامها ) لا شك ان الخوف هو اهم العوامل المعوقة

التي تجابه الشخوص عن حدوث افعالها ، ونحن من خلال هذا الكشف نشم رائحة انحراف عن رمزية ذلك الخوف المشروع :

( الفضاء بين الخاص والمغلق )

يعد الفضاء الخاص والمغلق من العوامل المهمة في بنية الفواعل في قصة ( ليلة عرس ) وذلك لان هناك ادوارا حركية تنبع من افعال مؤثرة تؤدي الى غايات خاصة واهداف بعيدة المدى ، وتنحصر شخصية المرأة في قصة القاص ضمن موحيات العامل الذات وداخل حالة اقصاء بنية فضاء المغلق ، وتبعا لهذا فأننا نجد بان شكل الاضمار الشبقي لدى شخصية المرأة تتحول الى شكل من اشكال الاختيارية والتي تسمى بالاختيار والتساؤل عن امر بالغ الخطورة والصعوبة : تذكرت ان الوقت تقدم وان الضيف لا بد قد بدأ يشعر بالضيق : نهضت وغادرت واتجهت صوب الصالة وفوجىء وهو يراها بثوبها القصير كانت تبدو منفتحة اسرة شهية : قالت بهمس تفضل معي لتأخذ راحتك ) من هذا لعل العامل الذات في هذه القصة يتضح نحو منح اخر ، لا يفكر في ترميم ماضيه ، بل لعله يحاول هدمه ثم انشاءه من من جديد وفوق ارصفة خالية من التراجعات والافعال الاختيارية . ان ما قام به ناطق خلوصي بهذه القصة يعد علامة قصدية حركة الفاعل الذات نحو ضفاف ما يفعله وما يتشكك به ونحن كقراء نلاحظ بان العوائق والتقاطعات في قصة ( ليلة عرس ) ما هي الا تقلب في الشخصيات مع حركة الفاعل الذات ووضع حركة ( انزياح ) افق الانتظار .

( النص والتلقي )

ونحن نطالع قصة ( ليلة عرس ) نلاحظ ثمة منطقة شبه مضللة تنحصر بين ابنية دلالية ووظائف تمثيلة مستمدة من خلال علاقة غياب الاطراف دلاليا ، وعند النظر في سبب غياب شفرات ذلك المضمون الدلالي ، نجد بان القارئ لربما يواجه تحديدا عسيرا وهو يحاول دمج بين استحضار اغوار النص وما بين علامات التلقي كمفتاح ممكن للوصل نحو مرحلة التخاطب المشفر ، وعلى هذا يبقى القارئ في هذه الحالة داخل المابين كتوطيد للعلاقة بين التلقي والنص كما ويبقى المتلقي ازاء النص اسبق وجودا لمعرفة الاشياء والدليل عليها ومن خلال سياقية النص لدى ناطق خلوصي نجد بان علاقة التلقي بالنص تحاول لملمة حطام شفرات تتقادم ووتضاعف لتكون لها بالتالي مساحة اشارية تتوغل في عمق عملية الكتابة . وهكذا تبقى قصة ( ليلة عرس ) حكاية هيمنة الذاكرة مع الزمن تراجعي على شخصية واحدة وقد شحنة بشخصية اخرى ، بيد ان ديكور امكنة النص قد لا يتعدى غرفة مقصورة القطار

وشخص اخر وذاكرة ومع نهاية رحلة قصة ( ليلة عرس ) لا نملك سوى الثقة والتقدير للاستاذ ناطق خلوصي الذي واكب العديد من الممارسات الكتابية المختلفة وما زال يكتب اليوم مسكونا بفائض النجاح والخصوصية بالبحث عن قلق وهموم سيدة ( ليلة عرس ) هذه العلامة الشخوصية التي قد جعل منها ناطق خلوصي موجها فعالا في سماء رموزه النصية وابعاده الحكائية الموغلة في احتمالية دلالة انزياح افق الانتظار .