18 ديسمبر، 2024 11:56 م

وجه الجرادة رسالة من مفلس الى صديقه في اوربا

وجه الجرادة رسالة من مفلس الى صديقه في اوربا

صديقي العزيز :
وصلتني صورك الباهرة والتي تظهر حياتك  في اوربا وتطوافك في قارات العالم الخمس . لا أملك يا صديقي سوى الدعاء ان يديم الله عليك هذه النعمة  . تمعنت طويلا فيك   . اول شئ هزني  هو وجهك ولون شعرك اللذان لم يتغيرا قيد شعرة . هذه العبارة لا أقولها مجازا بل أعني كل حرف فيها . وهي ليست أطراءا ( كما هو معتاد عندنا )  بل شئ أربكني  تماما . لاحظت أنك لم تكبر  أطلاقا . ما الحكاية يا صديقي ,  هل الزمن متوقف عندكم ؟ . هل لهذا علاقة  بالمغناطيسية ؟   فقد سمعت ان عقارب الساعة لا تتحرك حين تكون قريبة من القطب الشمالي .   لم الحظ  ذلك وحدي بل أهلي ايضا  , فقد افترقنا ونحن بعمر واحد  , لكنهم  يؤكدون لي ( وهم يتأملون صورتك ) ان الفرق بيننا  الآن  هو  20  عاما  وهو نفس الزمن الذي  مضى على هجرتك   .
 الا تخشى يا عزيزي ان تظل هكذا الى الأبد  ؟
الا تخاف  ان  تظل  متوقفا عند هذا الحد  فلا تذوق لذة المراحل الأخرى من العمر ؟ .  ألا تخشى ان تصاب بالملل  من جسد  لا يشيخ  ؟  وماذا تفعل حين تراودك الرغبة في الموت   بينما جسدك بكامل عافيته  ؟ .  هل ستقدم   على  الأنتحار   ؟
 أنصحك ياصديقي  أن تبتعد عن القطب الشمالي  لتسمح لساعتك بالدوران .
….
….
سوف احدثك قليلا عن نفسي  . لابد أن أخبرك أنني تزوجت . هل تعرف ممن  تزوجت ؟ . تزوجت الأفلاس . انا أضاجع الأفلاس يوميا . هل تتخيل؟ . كلما مددت يدي في جيبي أشعر بنوع من الأنتصاب العدمي  .  الافلاس شئ  قبيح  يا صديقي  ,  حين يطول تظهر آثاره على الوجه . لا اقدر ان ابعث لك صورة لوجهي  .   سوف تستغرب التبدل الذي طرأ علي . ولا اريد ان احطم الصورة التي تركتني عليها . ربما لن تعرفني  , واخشى  ان اسبب لك الذعر .
(( اصبح وجهي  يشبه  الجرادة  ياصديقي )).
تركتني  وانا  أشبه   خالي المرحوم   ( فائق )  . لكنني الآن  لا أمت بصلة اليه  .
 لقد ولدت حسب رغبة  أمي  ( ثلثين الولد على خاله ) . لكن ثلثي خالي اختفى وحل محله وجه حشرة .
 أخذني  والدي الى الطبيب . وضعنا امامه صورتان قديمتان واحدة لي والأخرى لخالي  كي  يرى اوجه الشبه  . انظر يا دكتور  . كنا شبه متطابقين او لنقل ان هناك ثلثين مني مأخوذ من خالي .
(( لا أعرف ماذا جرى لي  يا دكتور ؟ ))
لم أعد  أملك  حتى واحد بالمئة من خالي   .  ولو نهض من قبره وشاهدني فسوف يتبرأ مني .
 لم يبدي الطبيب  أستغرابا  . قال ان هذا الأمر طبيعي جدا  ولا يدعو للقلق .  أمرني ان اخلع جميع ملابسي  وأبقى باللباس الداخلي . لم يفحص الطبيب  وجهي  ولا قاس ضغطي  وحرارتي  . لم يخرج سماعته ويضعها على صدري  . لم يفحص عيني ولا أذني  . تركني عاريا وانقض على  ملابسي .   راح يفتش في جميع  الجيوب . لنقل أنه نفضها نفضا  . سألني أن كان  هناك جيوبا داخلية في ملابسي .  أجبت بالنفي  .
سألني هل أنت مفلس  ؟ . اجبت نعم  يا دكتور .  قال  : (( وهذا ما توقعته  , كل المفلسين لهم وجه الجرادة ))
ثم أمرني ان أرتدي ملابسي  , وخاطبني قائلا :
((  لا تقلق وسوف يعود لك  وجه  خالك   حالما تتحسن حالتك المادية  )).
لم يكتب لي اي دواء ونصحني بالبحث عن عمل .
 رحت اتردد على  مقهى المفلسين  لصاحبها ( أبو  ذنون ) . وجدت هناك أرائك خشبية عتيقة  تحتلها وجوه  جراد  أخرى  بجيوب خاوية  تعشعش فيها العناكب . كانوا يقطعون صمتهم الطويل بأقداح الشاي التي  يقدمها لهم  ابو ذنون  ثم يقيدها  في دفتر الديون الذي يشبه  في شكله وحجمه السجل العقاري (  سجل الطابو ) . فتح ابو ذنون  صفحة لي  وسجل اول قدح شاي بالدفع الآجل . كان جلوسي في المقهى  يخفف من وطأة  الوجه الذي أحمله . لم اعد اجرؤ  على النظر في المرآة واتحاشى عيون الناس  و خصوصا عيون النساء  . وقطعا لا اقدر ان ابادلك الصور التي ترسلها الي .
ما أن انهيت قدح الشاي ,  حتى شاهدت صبيا يدخل  المقهى  حاملا ( بسطة ) لبيع  سجائر بالمفرد . أردت ان أشتري سيجارة .   مددت يدي الى جيبي فشعرت بلسعة نار حارقة .سحبت كفي من جيبي فوجدت عنكبوتا ينبت أسنانه في لحمي . نهضت من الأريكة  ورميته بعيدا  . كان الألم فضيعا . خجلت ان اصرخ وسط المقهى . رفعت أصبعي الدامي فرآني  صاحب المقهى   وهرع الي بزجاجة  كولونيا  وقطن طبي   . نظف الجرح وغطاه بقطعة قماش ( شاش )  وقدم لي نصيحة  لتفادي عض العناكب في المستقبل :
(( البس ثيابا بلا جيوب  او  ابحث عن عمل )).
 أشار  ابو  ذنون  علي  ان  أذهب الى  وسط المدينة (باب الطوب ) واعرض ذراعي في  وقفة (مسطر)  العمال . قال أجلس هناك وستجد من يشغلك .
جلست في باب الطوب  اربعة عشر يوما  متتاليا  أنتظر من يشغلني  .  كنت أقف من الساعة السابعة صباحا وحتى الثانية ظهرا دون جدوى  . لم يأت من يشغلني .
في اليوم الرابع عشر  وقبل ان انسحب لأعود الى البيت  تقدم مني احدهم  وسألني  ان كنت قادرا على العمل خمسة ايام في الاسبوع . صحت دون تردد نعم   . وقفت وامتلأت نشوة وحماسا  واضفت   :
((طبعا أنا حاضر وعلى الفور )).
فسألني ان كنت قد اشتغلت هذه الشغلة من قبل . قلت  انا حاضر لأي عمل تطلبه .
 قال  : ((هل تقدر  ان تنام معي خمسة ايام في الاسبوع ؟  )).
 اتضح  انه  لوطي . وهو بالتسمية المحلية ( دودكي ) اي العنصر السالب . وكان يبحث عن الموجب . اعتذرت له بلطف .  قلت له انا ما زلت باكرا . وافضل ان ابتدأ حياتي الجنسية بفرج أمرأة  . فانصرف بلطف باحثا عن عاطل آخر   .
لم تعد الدولة ملزمة بتقديم العمل . لقد تغيرت وظيفتها . يقول المسؤولون  ان  وظيفة الدولة الجديدة هي أدامة الحزن  وصيانة  البنى التحتية  له   . هناك وزارة خاصة بالنواح  .  بامكاني أن أتعين فورا  أذا أبتكرت  طريقة  جديدة لاستدرار الدمع وسكب المرارة في النفوس  .
هناك  فرص عمل  أخرى خارج الدوائر الرسمية  تتطلب مهارات نفسية لا أملكها   مثل  زرع عبوات ناسفة , او الخطف , او استخدام الكواتم , أو تسميم المياه , او سرقة  الادوية , أو أسرة المرضى وهم نائمين  في المستشفيات وتهريبها  الى أيران  .
نصحني صاحب المقهى  ان أترك مشاريع الدولة  و أبتكر  فرص عمل جديدة  .وجدت ان أهل الجنوب  يحرمون على أنفسهم  أكل الاعضاء التناسلية للغنم  ويرمونها مع الفضلات بينما أهل الموصل يستطعمونها  ويعتبرونها الأطيب في الأغنام و يسمونها  ( حليوات )  . فرحت أتاجر بها  . وجدت ان الكرد  يرمون  بيوض السمك ( الثرب)  في المزبلة  فحمدت الله  على هذه العادة  و صرت اجمعها من مزابل  بائعي السمك في اربيل والسليمانية  وأبيعها  في  بغداد . وجدت اليزيديين يزرعون الخس ولا يأكلونه لأن نبيهم اختبأ فيه حين طارده الاعداء فكانوا يهبونه لي مجانا  . وتاجرت بالعرق المحلي المصنوع في القرى المسيحية لكن جماعة النهي عن المنكر  شموا رائحته و القوا القبض علي متلبسا بشحنة  خبأتها في حقيبة  واحرقوها أمامي  . وكان علي ان افتش للصابئة عن البط  لعيدهم بعد تجفيف الاهوار .اصبحت الفوارق المذهبية ومحرمات الأديان مصدر رزقي . غير ان دخول داعش الى الموصل  قضى على تجارتي  . فتوقفت كليا  وعدت الى الأفلاس من جديد  .
….
….
صديقي العزيز:
 صورك  عن حياتك في اوربا هي اكثر من رائعة  وتعوض الكثير من الجدب  الذي نعيشه . ارجو ان لا تتوقف عن ارسالها. قبل أسابيع عملت معرضا لصورك  في البيت . لصقتها  على ورق كارتون  وعلقتها في غرفة الضيوف . حضر الأهل والأقارب للتفرج عليها . وقفوا مبهورين  أمام  الحفلات التي تقيمونها في المهجر  , والموائد  المليئة باصناف الطعام  والشراب و الغناء والرقص  , والألعاب النارية في رأس السنة ,  وركوب المناطيد الهوائية   , وصورك المتكررة  مع العوائل  في مدن الألعاب والسيرك ,  وصور الاطفال وهم يحتضنون  الدلافين  والثعابين الغليضة  التي  جعلت اطفال اخوتي يتقافزون من الحماس ,  وحفلات أعياد الميلاد  والكيكة الحلزونية  التي تشبه ملوية سامراء  والتي كاد  اطفال اخوتي  أن  يثقبوا الصورة بعيونهم لأنتزاعها  .
أما صورك  الشخصية فقد تلاقفتها الأيدي أسرع من غيرها . اخواتي  الأربع  حلمن بك جميعا . بقوا الليل بطوله يتأملونك  . وفي الصباح فاتحني والدي في امكانية ان تتزوج واحدة او اثنين منهن  . بل ان والدتي قالت ان الشرع يبيح حتى اربعة . وحصل نقاش بحضور البنات . وتم التوصل الى ان الدين يسمح لك بأربعة أخوات بشرط  عدم الجمع  . بمعنى انك ستتزوج اخواتي على دفعات . وافق  البنات واصبحت كل واحدة تحلم ان تكون هي الاولى . ولكي لا يحصل  ظلم  فقد حلت المشكلة بأجراء قرعة بينهن  لترتيب الأولوية . كانت أمي متحمسة جدا  . طلبت مني على الفور ان ارسل لك  صور أخواتي  . قالت أن هذا أمتحان حقيقي للصداقة بيننا     ,   (( فاذا كنت تتحرج ان تطلب منه مال  ,  فأطلب منه ان يكون صهر  لنا   )) .  واستعانت بواحدة من ستة  اقوال مأثورة هي كل ما تحفظه  في هذه الدنيا  ( الصديق وقت الضيق ) .  تركت أهلي  يفصلون  ويلبسون فيك  كيفما  شاؤا . خجلت ان أفاتحهم  بالحقيقة . أخذت والدي بعيدا  . كان لابد ان اعلن له  انك متزوج   وعندك أربعة أطفال  , وما عدا الزوجة الثابتة  فانك تتزوج كل اسبوع تقريبا ,  وسمحت  لأبي ان يرى  بعضا من صورك مع معشوقاتك  في بقاع الارض . فاستولى عليه الغم  وعاد الى لف تبغه العتيق .
…..
…..
هنالك صور تحدث صدمة  حين نكتشف انها تخص  أناس نعرفهم وليست مقتطعة من مجلة .  فقد استيقظت في منتصف الليل  فوجدت والدي يقلب  صورك  بعيدا عن سرير أمي . لم يكن والدي شخصا متهتكا .  نصحني بالكف عن مراسلتك بعد ان شك انك بلا أخلاق وانك بخيل وعديم الضمير  . لا حظت  عليه غضبا ونقمة . حين حدق الي احتضنني ودفن رأسه في وجهي وراح يبكي . لا أزعم ان والدي شعر بالظلم  وبكبر المسافة التي باتت تفصلني عنك  . ولم أعلق على التمتمات وانصاف الجمل التي كانت تخرج من بين اسنانه .
الصور التي ارسلتها وانت تضاجع البولونيات هيجتني كثيرا  . لأول مرة أتعرف على  سرير وارشو  الثلاثي  . كم أنت بارع في هذا النوع من الأسرة  .  ولفت نظري يا صديقي تبخر آخر قطرة من  الحياء  فيك . اعتقد انك عبرت بشكل سافر عن التبدل الذي يتعرض له المرء  بعد  فترة طويلة في المهجر  . ينبغي ان تعرف اني لست محروما من المال فقط  , هناك حرمان  اكبر  وأقسى منه هو جسد المرأة .
صورك مع المغربيات وضعتني في مواجهة مباشرة مع  الفلفل  . اشعر أنه  جنس حاد  فيه قدر كبير من التوابل  تجعلني أهرش خصيتي حتى تدمى  . والبلغاريات يا عزيزي  , آآآآآآآه  . لم اكن على علم بالافخاذ البلغارية الاسطورية   , لم يكن يصلنا  من  هذا البلد سوى  معجون الطماطة  حيث ينقله  سائقو  شاحنات  بدناء ونصف عراة  ليعودوا  الى بلادهم  ببراميل النفط الخام .
ثم انهالت علي صورك مع السمراوات والشقراوات والغجريات والأرداف  اللاتينية المدهونة بزيت الأرغان , ونساء الكرنفال  في ريودي جانيرو  ,  ومهرجان االنكاح في الهواء الطلق  في البيرو ,   وتلك الاجساد العارية  التي تتوسل بك ان تغطيها بلحمك  وترضع من ثقوبها الخمس ,  و حفلات التنكر ولبس القرون والأقنعة  وريش النسور التي تنتهي  بالنكاح الجماعي  حيث تطفأ الانوار ويبدأ فصل النمور الهائجة   وعض الغزلان  من رقابها   .   لاشك انك وضعت في بالك ان تناكح  القارات الخمس .    هذه العولمة الجنسية  هي جزء من التيار الجارف الذي دفعك الى الهجرة  .  أما هنا فلا زلنا يا عزيزي نرزح تحت وطأة جنس محلي  لم يتخطى حاجز  الرقم  اثنين  ( زوج  وزوجة )  . وحتى هذا الجنس العتيق جدا لم أصل أليه  أنا شخصيا و لم أتذوق طعمه بعد رغم عبوري سن الاربعين . أما الغالبية هنا  فلا زالت  تمارس جنسا أحاديا ( خنثيا ) .  او ما يمكن أن نسميه النكاح الذاتي . حيث  ينكح كل واحد نفسه بنفسه  .
كنت املك  فكرة بسيطة جدا عن الجنس وأوضاعه . كان من الممكن ان ابقى هكذا ,  لكن صورك اظهرت لي اكثر من اربعين وضعية   للجماع  , ولولا الحياء لكنت وزعتها على البيوت او طبعتها ووضعتها في رصيف الشارع  . المتزوجون  هنا لا يعرفون  سوى وضعيتين للمعاشرة   هما : ( شلخ الباذنجان ) و ( تقعيد المنارة ) . الاولى لأنجاب الذكور والثانية للأناث .
هنالك صور من نار يا عزيزي ,  , بكيت طويلا  وانا أتأمل فيها  فقد كانت اعضاؤك تلتهم اللذائذ كلها  في وقت واحد . في واحدة منها كانت أعضاؤك جميعا تناكح . شفتاك تمتصم شفاه  ويدك اليمنى  في فرج  والأخرى في دبر , وثعبانك يغوص في مغارة مظلمة ,  واصبع قدمك  اليمني مغمس في مهبل من العسل ,  والاصبع اليسرى في شق فاسق ينضح  لهبا بنفسجيا  . وكانت الاثداء عناقيد  مدلاة من حولك وقريبة من فمك  تقضمها متى تشاء   . شاهد صورك  رواد مقهى المفلسين  فلطموا على خدودهم ورجوني  ان تبيت  معهم ليلة واحدة  . 
….
….
قبل مدة ليست بعيدة  ظهرت علي أعراض  مرض غريب كاد يسبب لي  العمى  . فقد بدأت عيناي تصبان سائلا  أبيضا مستحلبا. فحصني الطبيب في المستشفى الحكومي  , ((افتح عينيك  )) قال لي  . مرر  طرف اصبعه على جفني  ثم  وضعه على لسانه  .   ((أغلق عينك)) . ثم تركني  وأخذ  والدي على أنفراد ليخبره  ان  السائل  الابيض الذي  ينهمل من عيني هو  سائل منوي  تسبح فيه حيامن  حية  .
قال الطبيب لأبي  :
((ابنك يقذف من عينيه  ,   لابد ان انه يحدق كثيرا في النساء دون ان يتذوقهن  . هذا المرض بات معروفا هنا . واذا أستمرت  حالته   فسوف يصاب بالعمى  .   ينبغي ان تزوجه فورا  .  ينبغي ان يقذف من المكان الطبيعي ))
  سأله ابي ان كان لدى وزارة الصحة  دواء عاجل  أو مسكنات   . أجاب الطبيب بحزم  ان الدواء الوحيد هو جسد المرأة .
شرح له  أبي الصعوبات  التي نكابدها , وتكلم بحياء عن الأفلاس الذي نعيشه   , فنصحه الطبيب ان ياخذني الى أقرب مبغى .  لكننا لم نكن نملك المال اللازم للجماع   ,  خصوصا بعد الهروب الجماعي  لعاهرات البلاد ( عقب صعود الأسلاميين)  واحتلال الشارع من قبل ذئاب النهي عن المنكر . طلب مني والدي أن  ( أغض بصري  ) حتى يعثر لي على عاهرة تعمل لوجه الله تعالى    . طلب أن اصبر وأغلق عيني عند مرور النساء كي لا تتفاقم حالتي وأصاب بالعمى .  كنت حتى هذه اللحظة اجهل العادة السرية واشعر بالخزي من ممارستها  . نصحني احد المعممين بقراءة المعوذات  . نصحني آخر  أن اردد ( اللهم اجعلها بقرة في عيني )  كلما أبصرت أمرأة حسناء . حاولت العمل بهذه النصائح  لكنها لم تنفع  . كان جوعي اكبر من أية صورة بلاغية  . بل أنني  وصلت الى الدرجة التي اصبحت عيني فيها تحول المرأة البقرة الى غزال أهيف .
 


 وضعت عصابة سوداء على عيني  وطلبت من ابن اختي ان يقودني  الى المقهى . في الطريق دخل المدينة مسلحو  (داعش)  فتركني ابن اختي وهرب وبقيت أسير على عماي   . وصلت المقهى وجلست على احد  الأرائك  وطلبت شاي . لم يرد علي أحد . يحيطني صمت مطبق  لا أراه  . قلت في نفسي  لابد ان صدمة أحتلال المدينة  قد أخرست الجميع . لم يمض وقت طويل حتى اقتربت مني  قدمين  ضننت انهما  لصاحب المقهى  . كنت أنتظر ان يضع  قدح الشاي على الطاولة . مددت يدي فلامست شيئا غريبا . تتبعته بأصابعي فتبين أنه خنجر عربي  مازال نديا  . سحبت يدي  على الفور و رحت  أنتظر  . لابد ان واحدا من (داعش)  يجلس جنبي  الآن  وقد وضع سلاحه على الطاولة . علي أن أنتظر صاحب المقهى ,   ولابد أن أتماسك كي أعود الى البيت  بسلام . لابد انهم في  حالة  توتر الآن  ويشكون بالجميع . ينبغي ان اظهر اكبر قدر من التمسك  بالعمى  فهو  الأمل الوحيد لي بالنجاة .
(( لايوجد شاي , ولم يعد المكان مقهى )) .  صاح أحدهم  .
 هل كان يخاطبني  ؟ . بقيت صامتا . فهز كتفي . عندئذ انتبهت ان الكلام موجه ألي .
(( أنت جالس في مقر الدولة الأسلامية وليس في مقهى ))
كان لابد ان أبدي أكبر قدر من القبول لهذا التحول الذي طرأ على المكان  .  أعذروني  قلت لهم  (( أنا لا أرى  وما زالت ذاكرتي هي التي تقودني )).
سألوني : (( منذ متى وأنت أعمى ؟ ))  .
انتبهت انهم جادين للغاية  ولا يقبلوا الكلام  دون تقليبه  . كان لابد ان أسبقهم في قول الحقيقة قبل ان يخضعوني لأمتحان يحسم أمري . قلت لهم انني  لست اعمى وحكيت لهم  قصتي .  قلت انني اريد ان أغض بصري عما حرم الله .
 بدأوا تحقيقهم معي . لم يسألوني عن أسمي ولا وظيفتي ولا عائلتي ومسكني . لم يسألوني عن أية مفردة تتعلق بالقرن الواحد والعشرين    . سحبوني الى  القرن الأول الهجري وأمطروني بوابل من الأسئلة  .
طلبوا مني أولا  ان اقرأ ثلاثة  سور  من القرآن فقرأت لهم نصف القرآن , ثم  سألوني عن زوجات النبي ,  طلبوا مني ان اذكر أسماءهن  وجدول لقاء النبي بهن  . فذكرتهن جميعا . سألوني ان أعدد الصحابة الذين حضروا صلح الحديبيية  . كنت مصمما ان لا اترك لهم اي منفذ  لذبحي . سألوني عن الحاضرين في  سقيفة بني ساعدة  , وعن الذين اجتمعوا في دار بن الأرقم  .  سألوني عن اسم الفرس التي طارت  بالنبي  من مكة الى المسجد الاقصى  . سألوني عن أسماء قتلى بدر وحنين .
عددتهم جميعا .  ثم وجهوا الي سؤالا مباغتا :
(( من هو آخر الخلفاء الراشدين ؟ )).
هنا حدست انهم نصبوا لي فخا وعلي ان لا أقع فيه . قلت لهمم  دون تردد :
(( الخليفة ابو بكر البغدادي طبعا  )).
 عندئذ   ربتوا على كتفي  وطلبوا مني أن أزيح  العصابة عن عيني .
قلت لهم سوف أصاب  بالعمى  . قالوا  افتح  عينيك  لم يعد هناك  ضرورة   لغلقها ,   فالنساء لم يعد لهن وجود  في طريقك  , وحتى لو صادفتهن  فلن  تستدل عليهن  .
حين فتحت عيني وجدت رؤوس جميع المفلسين مقطوعة ومعلقة  على اعمدة المقهى . كانت وجوههم ماتزال تشبه وجوه الجراد . سألت المسلحين :
((لماذا قطعتم رؤوسهم  أنهم مفلسون ؟  الا ترون وجوههم  ؟))
. قالوا أنهم فشلوا في الأختبار .  لم يكونوا من حفظة  القرآن . ويجهلون  اسماء السلف الصالح  . ولم يكونوا من المصلين فقد فشلوا في تحديد القبلة والوضوء .    وفتشنا جيوبهم فوجدنا صورا  أباحية .  ارتج قلبي على وقع العبارة الأخيرة . فقد كانت صورك يا صديقي  في جيوبهم . حمدت الله أنهم لم يذكروا أسمي . لم يعترف أي واحد منهم علي .
…..
……
 لكي تتعرف  ياصديقي على  داعش علي ان  اعيد  اليك صورك  بعد أن  ألونها  بلونهم   . لم يدخل هذا التنظيم عصر الألوان  بعد  . أنه يعيش بلون واحد فقط . ويطمح ان يستبدل ألوان العالم  بلونه .  عليك ان تتخيل  جبال الثلج  في النرويج وهي تتحول الى فحم . ولكي تعرفهم عن كثب  عليك أن تركب  الزحافة الجليدية  التي تجرها  كلاب الهسكي  . سوف  تنتقل بها من قريتك  الى سوق المدينة  . في الطريق  يستوقفك ( الفايكنغ )  بقرونهم الفولاذية  واجسامهم التي تشبه العفاريت  شاهرين فؤوسهم  بوجهك  . سوف يطلبون منك ان تقرأ لهم  أجزاء من خطبة ( أريك بلوداكس ) ملك النرويج في قادة السفن المتوجهة لأحتلال سكوتلاند . وبعد ان تنتهي عليك ان تذكر أسماء القادة   .  وحين تفشل في الأجابة  يبقرون بطنك  بقرونهم الفولاذية ويحطمون رأسك بفؤوسهم . تخيل أوربا وهي  تمتلئ  بهذا النوع من قطاع الطرق . انهم لا يريدون ان يجردوك من ممتلكاتك ولكن يختبرون عقائدهم فيك  , احدهم يسألك عن  مزامير داود  وآخر يسألك عن الاصحاح الرابع في سفر الملوك  . والنازيون الجدد  يطلبون منك ان تقرأ خطبة الفوهرر في غدانسك . وهلم جرا .
  لكي ترى داعش  تخيل معدة مليئة بالقمل . أو جسد يتعرق سحالي  . داعش هي كم  من الكوابيس  المتحققة . هي احتقان مثانة  مليئة بالبول   ,  وحصاة  في أحليل شرب  صاحبه دفعة واحدة عشرة زجاجات بيرة  ويريد أن يتبول  لكن  الحصاة لا تقبل . مازلت احتفظ بشعور قوي انهم مخلوقات سقطوا  من  كتاب عتيق وسيعودون أليه .
لكني بعد تلك الأغفاءة الخاطفة صحوت على وجودهم وهم يحيطون بي . ما زالت المدينة تحت قبضتهم .
قالوا  انهم مستعدون لتزويجي حالا . فتحوا أمامي خارطة للبلاد . أشار أحدهم بالقلم على موضع في  العاصمة  . قالوا ان هناك عرس سوف تحضره  بلا  دعوة   . هناك اثنان  من الكافرين سوف يتزوجان وأنت ستمنع ذلك  . واجبك أن توقف ذريتهم .  لأن زواجهم يعني المزيد من الكافرين على الأرض  . كانت الجمل ملتبسة ومتداخلة  وفيها قدر  كبير من الشعر . هناك تورية تمنع الفهم  .  فطلبت منهم مزيدا من الأيضاح . سألتهم :
(( لكي أتزوج علي ان اقتل من يريد ان يتزوج  .. هل هذا ما تقصدونه ؟ ))
شرحوا  لي  العملية  من جديد . لكي تتزوج عليك ان تهلك الكافرين  أولا  . سوف تأخذهم  معك  وترميتهم  في جهنم  .
كنت حتى هذه اللحظة أحسب انها بلاغة رفيعة المستوى  وتحتمل التأويل .
((كيف آخذهم معي  وأرميهم  في جهنم  ؟ ))
عندئذ اخرجوا لي حزاما فيه  أربعة جيوب  عبؤوها بأصابع الديناميت . احاطوا به صدري وشدوا الحزام بقوة . ودلوني على الزر الذي ينبغي ان اضغط عليه  عند اقترابي من  مركز العرس .
 سألتهم  : (( ومتى  أتزوج ؟ ))
سوف تتزوج بعد ان تمنع  هذا العرس  . سوف تهلكهم جميعا بضغطة من هذا الزر . سوف تتزوج بعد ان ترميهم في جهنم وتواصل طريقك الى الجنة . سوف تجد هناك  من ينتظرك . ليس عروسا  واحدة بل عرائس بقدر عدد من تهلكهم من الكافرين   .
عرفت عندئذ أنهم يقصدون القتل . ان انتحر أولا ثم أتزوج .
لم يكن هذا العرض مغريا لي  , هناك عقبة معرفية يمكن رؤيتها مباشرة .  هناك لقاء بين الوجود والعدم في حادثة واحدة  , ما عدا تلك العقبة هناك تلك الرفوف من الكتب  الألحادية لتي قرأناها سوية يا صديقي . نيتشة وسارتر وماركس و فيورباخ وهيغل  وانجلز  و بوليتزر . لقد  دمرت هذه الكتب  فسحة الغيب في داخلي .  لم تبق اي أثر  للحياة بعد الموت . بل أنها دمرت  فكرة الله  والفردوس و اليوم الآخر والثواب والعقاب .
حين أكتملت مراسيم تثبيت الحزام  الناسف  ألقوا علي آخر الوصايا :
((  لا تنس  يا يونس . قبل ان تضغط  الزر . أحرص ان تأخذ معك اكبر عدد من الكافرين    .  اذا ذهبت لوحدك  الى الجنة  فسوف لن تجد من ينتظرك . نعم ستكون  خالدا هناك  , تشرب اللبن والعسل  وتضطجع على سرر مرفوعة وزرابي مبثوثة ,  ولكن بدون حوريات ))  .
  قلت لهم أعطوني فرصة لأودع  أهلي . وما أن  أبتعدت  عنهم  ووصلت  أهلي  حتى ابلغتهم  بالتعجيل في الهرب .


صديقي العزيز :
لقد نجونا  بأعجوبة  . اكتب اليك الآن من  بناية مدرسة  ( أبن سينا ) الأبتدائية  المختلطة . والحقيقة ان المدرسة كانت قبل اشهر مدرسة  للبنين فقط   ,  لكنها تضم الآن جميع  الشرائح  الأجتماعية وبمختلف المستويات العلمية  أضافة الى الطلبة الأصليين  طبعا  .  يطلقون عليها الآن مدرسة  ( النازحين ) . انا وأهلي  نسكن  في الصف الاول الأبتدائي  شعبة ( باء ) .  بعد أشهر من وجودنا هنا  تم محو امية والدتي . تستطيع الآن أن تقرأ جملا كاملة . أما أختي الصغرى فقد لفتت نظر  معلم الجغرافيا (نازح أيضا )  وسيكون الزفاف في العطلة الربيعية  في الصف الخامس  شعبة  ( جيم )   . الشئ  المزعج هنا هو  الاستيقاظ المبكر ولملمة فراش النوم  واعادة ترتيب المقاعد  لتكون قاعة للدرس . وبسبب البرد علينا  الجلوس القسري لست ساعات يوميا والأستماع لدروس الألفباء  . اما أصعب شئ على امي وأخواتي فهو الصمت  وتعذر ( القيل والقال )  . ينبغي ان تتوقف العائلة  عن الكلام  من الثامنة صباحا وحتى الثانية ظهرا لكي تتيح فرصة للتلاميذ بمتابعة الدرس . اما الطهي فيتم اثناء الفرصة الكبيرة بين الحادية عشر والثانية عشر . سوف أرسل لك صور عن   تفاصيل حياتنا اليومية  في  المدرسة  , اعتقد انها ستوفر لك متعة اضافية . يمكن ان تعمل منها معرضا مثيرا في النرويج .
……..    تحياتي …
صديقك  المفلس   . .
يونس  معيوف الموصلي