يشغل الإتفاق النووي الإيراني – الأمريكي ، مركز الإهتمام السياسي والإعلامي في دوائر صنع القرار للعديد من الدول الأوربية والآسيوية ، كذلك مراكز الدراسات والبحوث الإستراتيجية .
يتفق الجميع على ان الملف ذاهب الى الحل في الإجتماع المزمع نهاية آذار الجاري ، مؤشرات ذلك تبرز بوضوح في الإشارات التي أطلقها الجانب الأمريكي عن التفاوض المباشر مع الرئيس السوري ، ورفع ايران وحزب الله اللبناني من قائمة الدول والمنظمات الإرهابية .
تلك بعض أهم المكاسب السياسية التي حصدتها إيران ، ومن الطبيعي ان تتكشف لاحقا مكاسب أخرى لمشاريع ايران في الشرق الأوسط ، مثل الملف العراقي وملف اليمن ولبنان ومستقبل الحوثيين وأمور اخرى تتعلق بلعبة أسعار النفط وتقاسم النفوذ في محيط الخليج العربي وبعض دول آسيا الوسطى .
ومن المؤكد أن حصاد الإتفاق والحوارات السرية التي تعطي لإيران لاتنزع شيئا ًعن مكاسب امريكا أصلا ً ، لأنها تأكل من جرف دول المنطقة وأنظمتها الطارئة ، وتلك واحدة من مهارات السياسة الإيرانية واستراتيجيتها الفاعلة .
اليوم تضطرب الرؤية السياسية لدى العديد من دول المنطقة التي تسعى لريادة دولية بحكم امتلاكها للقوة الإقتصادية والتأثير الإقليمي ، واقصد بذلك تركيا والمملكة العربية السعودية ومصر ، لأنها تقرأ جيدا ماتعني نتائج الإتفاق الإيراني- الأمريكي من تمدد ايراني يجعلها تحتوي أهم مناطق النفوذ والقوة الجيوسياسية في الشرق الأوسط ، فهي تتحكم بدولتين مطلتين على البحر المتوسط لبنان وسوريا مايجعلها جارة لإسرائيل ، وعبر الهيمنة على اليمن سيكون لها رأيا ً في شؤون واحداث البحر الأحمر مع احتفاظها بإطلالة نوعية على البحر العربي وتجاور جغرافي بالإنابة ، مع العربية السعودية …!؟
بإختصار نقول ان نجاح الإستراتيجية الإيرانية استبدلت جملة من الأساليب السياسية والإجرائية بأخرى تشتق منهجا ً جديدا ً في عالم التجارب السياسية التاريخية، منهج جديرة بالإهتمام والدراسة ، فقد هجرت ايران اسلوب الإحتلال البريطاني -الأمريكي القديم والجديد ، كما تجاوزت المنهج البالي لصدام حسين في استحداث حروب تنتهي بإسقاط الأنظمة والسيطرة عليها والتحكم بشعبها وثرواتها ..!
اشتغلت إيران بمنهج ذكي ومتعمق في وعي البنى الأنثربولوجية والأثينية والطائفية والمذهبية والقومية لشعوب هذه الدول ، وقرأت جيدا ً ماذا تريد هذه الشعوب ، والأسئلة التي تختزنها عبر تاريخ وجودها ، وزحفت على نحو تدريجي بتقديم إجابات عملية لتلك المكونات ، عبر الدعم بالمال والسلاح وبلورة الخطاب المطاليبي وفق منهج مدروس ، هذا التشارك بالأهداف مايجعل القرار الإيراني هو السائد والفاعل ، وليس اقلها ماحدث من تضحيات ايرانية في محاربة “داعش ” في العراق ، والدعم اللامحدود لسوريا وتكاليف حزب الله وفاتورة الحوثيين .
النظام العربي يفتقد لأي برنامج دفاع ذاتي ،أو استراتيجية تحمي دولها من الإختراق الذاتي أوالداخلي ، مايعني انها أنظمة طارئة يمكن ان تهزمها عصابات إرهابية ، وبهذا فأنها تحتاج لحماية ايران أو امريكا ، ولأن امريكا اثبتت بالتجربة إنها لاتحفل بأي تعهدات ولاتمثل لأي مبادئ وقيم أخلاقية أو انسانية ، فأن فرص نجاح وسيادة ايران سوف تكون اكثر تاثيرا ً ونجاحا ً وتفوقا ً على امريكا ، وبهذا فقد جاءت امريكا لشروط ايران وسلمت بها ، وهي حالة سوف تقترح خارطة سياسية للمنطة ومعادلات جديدة في مواقف الأنظمة العربية المهلهلة، وتعيد تشكيل امبراطورية القوة والهيمنة والسيادة الإيرانية على منطقة الشرق الأوسط ، بمعادلة القبول والتأييد الشعبي لنسبة كبيرة من شعوبها .
[email protected]