قصيرة ..نحيفة ..متعبة ..حزينة ..ضئيلة الحجم عالية الجناب والمقام تلك المرأة الصامتة التي لم اعرف لها إسما برغم أنها تعمل في مكان قريب جدا من مكان عملي اليومي طوال سنين !!
كانت تناديني بأسمي من دون حرج – وكنت اسعد بذاك النداء – ولكني ولشدة حيائها وتواضعها واخلاصها في العمل لم أتجرأ على سؤالها ما أسمك ، كنت أناديها بـ ” حجية ” فقط .
الحجية التي لم تحج ولم تعتمر يوما قط لأنها لاتمتلك ثمن ملابس الأحرام فمابالك بتكاليف الزاد و السفر والحج او العمرة .. مرت الأيام سراعا والحجية تعمل بجد واخلاص الى حد الأنهاك في تنظيف المؤسسة مقابل – ملاليم – في نهاية الشهر – لاحمدا ولاشكورا – في بلد النفط ، كانت لاتعلم يقينا الى من تدفعها الى ” المولدة الأهلية يغياب الكهرباء اللاوطنية ، الأيجار ، العلاج ، النقل ، الطعام والشراب ” اما الملابس فلم تكن بحاجة الى التفكير بها ” دشداشة سودة وفوطة وعباية ” صيفا وشتاء ، كانت تجلس بعد انتهاء العمل المضني والمذل وسط صيحات من هنا وصرخات من هناك لنكرات وحشرات بشرية يسمي احدهم نفسه موظفا في الدولة – حاشى الطيبين منهم وقليل ماهم ( تعاي ، روحي ، ليش مانظفتي الممر ؟ وين وصلة المسح الجديدة ؟ انتي ماتفتهمين ؟ لشوكت انعلم بيج ، بطلوهة ، فصلوهه !!) .
كانت تجلس وتذرف دمعات بصمت تتتراءى لها من خلالها صورة عائلتها الكبيرة التي قضت في يوم واحد بحادث سير مروع قبل سنين ظلت عقبها مع الذكريات والصور وحيدة تعيش مع شقيقتها – الضحية الثانية – وهما تسكنان في (كنج دجاج ) يسمى في العراق – الفارسي – وعاصمته بغداد، بيتا …!!
سقطت الحجية قبل اسبوعين مغشيا عليها بعد ان سرقوا محفظتها …الطبيب والأشعة ” انها مصابة بورم في الدماغ ” لاعلاج لها خذوها الى الفراش ولتنتظر الموت ” لازوج ، لاأطفال ، لاعمام ، لاخوال .
…تررررررررررررن تررررررررررن اليوم فجرا ، “خير اللهم اجعله خير” ماتت الحجية ” هكذا صاحت شقيقتها الصغرى من دون مقدمات …!!
حملت مكنستها التي امنتني اياها كونها لاتملك في العراق – اللفطي – سواها وأهديتها – ثوابا على روحها – الى ضحية اخرى وقلت ” وداعا يامن عشت بصمت ورحلت بصمت برغم ضجيج الميليشيات والعصابات والأنفجارات والعبوات والطائرات والدبابات والهاونات والمفخخات …وداعا ايتها الضئيلة حجما ، العالية مقاما وعذرا لأني لم اعرف اسمك حتى اللحظة لأناديك به …حجية !!!