تلقيت رسالة نصية من احد أصدقائي في دول الخليج تفيد بالاتي ” أنباء من موسكو عن استنفار عسكري وحريق ضخم قرب الكريملين واختفاء بوتين وإنتشار الشائعات بانقلاب عسكري بالتنسيق مع بعض الساسة من مناوئيه ! اين هو بوتين ؟ وهل اشاعات تدهور حالته الصحية حقيقي ؟ أم إن الكريملين أطاح به ؟ ” إنتهت الرسالة ،، ” وهنا تذكرت ماقاله ” بريجنسكي ” في سبعينيات القرن الماضي في أحد فصول كتابه “أمريكا بين عصرين” – قالوا لي علماء البحث في بلادنا ومختبراتنا إننا نستطيع خلال سنوات قليلة أن نوصل برامج التلفزة الأمريكية إلى كل بيت في العالم عن طريق هوائي لا يتجاوز قطره المتر والمتر ونصف، وبالتالي عندما نقول إن هذه التكنولوجيا الرقمية التي هي الديجتال وبثها عبر الأقمار الصناعية، سنصل إلى طريقة نوصل فيها كافة أفكارنا وطريقة عيشنا الأمريكية إلى أي بيت في العالم” وتوقع نتيجة هذه الحرب الإعلامية والنفسية والاقتصادية سقوط الاتحاد السوفييتي دون خوض معركة عسكرية مع الاتحاد السوفييتي – .
وصيغة الرسالة النصية تعني أن الغرب أدرك مسبقاً قبل غيره في العالم أن التكنولوجيا الرقمية الديجتال إذ تم إيصالها بالشكل الصحيح فإنه بالامكان إثارة جدلا وتحولا في العالم ، ولذلك بدأ في بناء استراتيجية إعلامية متكاملة مع استراتيجية الأمن القومي ، فعلى ما يبدو أن ماكنة السياسة الغربية تجاه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عجزت حتى الان عن مواجهته سياسيا في العديد من الملفات الدولية الرئيسية وفي المقدمة منها الملف الاوكراني والسوري ، وما عادت لغة العقوبات الاقتصادية ذي جدوى مقابل إصرار القيادة الروسية والرئيس بوتين على عدم تغيير مواقفها تجاه هذه القضايا ، ما حدى بالغرب باللجوء الى الإعلام ، وممارسة تضليله المعهود في مثل هذه الازمات ، وجر ورائه جميع وسائل الاعلام المرتبطة به ايديولوجيا وعائقديا ، لينفذ كل مايمكن ترويجه من أخبار وملعومات ، بعيدا عن الاخلاق الصحفية في الدقة للمعلومة ونقل الحدث !.
والمتتبع لخبر أختفاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نشاهد أن وسائل الاعلام البريطانية كانت هي البطل الرئيس في عملية تضليل الراي العام العالمي في إطلاق الإشاعات تلو الأخرى لتضخيم أسباب هذا الغياب في محاولة لإثارة الراي العام الروسي ، والغريب أن جميع مصادر هذه الاخبار كانت مجهولة وغير دقيقة فمثلا نقلت قناة الجزيرة عن صحيفة ” كورير ” اليومية المستقلة على موقعها الالكتروني ” أن طبيب عضام نمساوي سافر الى موسكو من أجل علاج الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (62 ) عام من الام الظهر ” دون ذكر اسم الطبيب أو مصدر سفر الطبيب !! وتحت عنوان ” سر أختفاء بوتين بين الإنقلاب أو الوفاة ماذا يحدث في موسكو ؟ أوردت صحيفة الشروق المصرية سببا فيه من السخرية ما تكفي وتبرر أختفاء الرئيس بوتين بأنه يتزامن ” مع فصل الكرملين شركة العلاقات العامة الأمريكية ” !!
أما صحيفة “انترناشونال بيزنس تايمز ” فقد نقلت عن ما أسمته رئيس اللجنة الإسلامية الموالي للكرملين ، إن رئيس جهاز الأمن الفيدرالي السابق نيكولاي باتروشيف ، قام بانقلاب في موسكو ” وتزعم الصحيفة نقلا عن تقارير إعلامية ( لم تحددها ) أن عدة دبابات شوهدت خارج الكرملين بعد انقطاع التيار الكهربائي لمدة ثلاث ساعات في حين زعمت صحيفة الديلي ميل أن بوتين موجود الآن تحت سيطرة وكالات “الفيتو” الروسية ، بعد ان تمتجريده من صلاحياته .
ولا يقل الحال عند صحيفة الاندبندت التي أدعت في بعض التقارير أن بوتين حجز غرفتين في إحدى العيادات الخاصة في سويسرا وبقاؤه إلى جانب صديقته لاعبة الجمباز الأولمبية السابقة “ألينا كاباييفا” في سويسرا ليستقبل مولوده الجديد ، واحدة للأم والأخرى لطاقم الحراسة الشخصية.
وبعيدا عن الإنقلابات والمرض لم تخلو حملة التضليل من أنباء تحمل من الطرافة بعض الشيء ولكنها تفتقر ليس فقط الى المصداقية ، بل إنها بعدت كثيرا عن المنطق ، فمثلا تناقلت بعض الشائعات إلى نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي ، منها ما زعم أن الرئيس بوتين اعتنق الإسلام !!، ما تسبب في غيابه عن الساحة ، خوفًا من ردود الأفعال التي ستُثار ضده !! وأخرى أن الرئيس الروسي كان بحاجة الى عملية تجميل في وجهه ! وإن سبب الغياب كان بسبب إجراء هذه العملية !! .
وسائل الإعلام الامريكية كانت أكثر جدية وتناولت الموضوع باسلوب فلسفي وتحليلي للنظام في روسيا وفسرت غياب الرئيس بوتين بأنها خطة سياسية روسية محبوكة من بوتين ومن أجهزته الإعلامية للتشويق أو حملة إعلامية لتلميعه عبر سياسة الغموض والتعتيم وبث الشائعات بعد الضغوط والحصار الغربي له بسبب احتلاله أوكرانيا، والضغط الخليجي عبر خطة تخفيض أسعار النفط للقضاء على نفوذ روسيا الداعم لسوريا وإيران؟.
وتطرح صحيفة النيوروك تايمز سيناريوهين بشأن اختفاء الرئيس بوتين، الأول يتحدّث عن خطة وضعها وينفِّذها الرئيس الروسي بنفسه، هدفها الابتعاد على بقعة الضوء ورصد الأوضاع والتطورات الجارية، واتخاذ خطوات عملية دون تسليط الأضواء عليها. ويفسِّر أنصار هذا الطرح أنَّ بوتين الذي تم إعداده في أعتى أجهزة الأمن العالمية، وهو لجنة أمن الدولة السوفيتية لا يزال يدير أمور الحكم بعقلية ، في حين يُرجع اختفاء بوتين بحسب الاعتقاد الثاني إلى ضغوط وصراعات داخل السلطة الروسية، سببها دخول الكرملين في مواجهات وصدامات مع الغرب في عدد من الملفات، أبرزها الملف الأوكراني، مما أدّى لخسائر كبيرة ليس فقط للدولة الروسية والخزينة الحكومية، وإنما أيضًا لكبار رجال الأعمال الروس، مما دفع بعض مراكز القوى داخل السلطة الروسية بالضغط على الرئيس لكي يتنحى موقتًا على أمل إيجاد مخارج من الوضع الراهن؛ وهو ما وصفه الكثير من المحللين الروس بانقلاب داخل السلطة.
ظهر الرئيس الروسي من جديد وهو يستقبل رئيس جمهورية قيرغيزستان في سانكت بطرسبورغ ، بعد أن غيبه الاعلام الغربي ، وسقطت بظهوره كافة التكهنات والاقاويل والاشاعات ، وباءت محاولة غربية أخرى للنيل من الرئيس بوتين في النهاية وأثبت إعلامنا ( وللأسف الشديد ) بإنه لازال متمسكا كونه إعلام للتبعية والارتباط ، وفي كل الأحوال فأن ظهور الرئيس الروسي لم يشبع رغبة الاعلام الغربي لأن الرئيس بوتين كان ” شاحب الوجه ” ولم تجرى له عملية تجميل من وجهة نظره .