حلّت في الأيام الماضية أكبر مصيبة تراثية وقعت في العراق على مدى آلاف السنين، ليس لها نظير إلا ما كان في عهد هولاكو حين سقطت بغداد سنة (656ه)، وإنما تُعرف ثقافة المجتمعات بمعرفة تاريخها، والشعوب التي لا تاريخ لها فلا حاضر لها ولا مستقبل.
وتاريخ العراق الحضاري كان هدف داعش في محاولة يائسة لطمس معالم هذا البلد العظيم من جهة، ولسرقة وبيع بعض الآثار النادرة من جهة أخرى، وهم في كلا الحالتين أظهروا نواياهم الخبيثة المتربصة بهذا البلد وأهله شرا.
ولسنا في هذا الصدد لنصف بشاعة هذه الجريمة النكراء، فكلنا شاهد أو سمع تفاصيل الأحداث التي لا يتسع المجال لذكرها، ولكننا بصدد تقييم أداء الحكومة في المحافظة على تاريخ هذا البلد العظيم.
رغم عدم قناعتي التأريخية بما فعله المغول عندما اجتاحوا بغداد وفعلوا الأفاعيل في مكتباتها حرقاً أو إلقاءً في النهر، لعدم امتلاكهم مؤهلات معرفية تمكنهم من أهمية الكتاب وما يحويه، لكني ممن يؤمن بأن التأريخ يعيد نفسه.
اليوم اصبحت أراجع قناعتي بما يفعله أحفاد هولاكو (داعش) من إحراق المكتبات في عموم العراق، وتحديداً المكتبة المركزية التابعة لمحافظة نينوى شمال العراق، وقبلها نهب مكتبة الأوقاف، وإحراق أهم المخطوطات، ناهيك عما ارتكبته تلك الأيدي الآثمة في مكتبة جامعة الموصل من إحراق لكتب الفلسفة واللغة الإنجليزية وسواها.
والداهية الأكبر والامر، تدمير الآثار التاريخية في عموم المدينة من متحفها إلى باقي القطع الأثرية المتوزعة في المدينة.
وفي معرض رده على أحداث تفجير متحف الموصل أشار رئيس مجلس النواب اى أن
هذه المجاميع الظلامية تثبت في كل يوم انها عدو للعراق بماضيه وحاضره ومستقبله، مضيفا ان تاريخ هذه المدينة الناصع والذي يمثل تاريخ الحضارة البشرية لا يمكن لمثل هذه الثلة الضالة ان تمحوه او ان تمحو تاريخ اهل هذه المدينة الذين باتوا بانتظار نداء الوطن ليطهروا مدينتهم من كل غريب دخلها.
هذه الاعمال الاجرامية التي أقدم عليها داعش جعلت من العراقيين بكل دياناتهم وطوائفه وقومياتهم أكثر توحدا وعزما على انهاء وجود كل اشكال الارهاب في بلدهم العراق.
براءة اختراع تسجل لداعش في اغتيال العلم والعلماء وما تبقى من تراث وحضارة.
داعش اليوم حققت ما عجز عنه غيرها؛ فهي بارعة في تدمير حضارة أفنى الأجداد سني عمرهم في بنائها، وهم لا يؤمنون إلا فيما عشعش في عقولهم المتهالكة من مفاهيم ربما يفيد منها أصحاب العقول المتخلفة كهم.
إن اغتيال المعرفة، وإشاعة الجهل، وتسويق الأفكار التكفيرية، تمهيد لغزو عقلي يمارسه الجهلة، لشطب روح التسامح الذي أشاعته الكتب المحروقة، والآثار المدمرة، كما أن العمل يدل على عداوة حتى النخاع في أذهان هؤلاء خصوصاً أن أغلبهم لا يمتلك مؤهلاً معرفياً.
داعش اليوم بقلة معرفتها، تؤسس لعودتنا إلى القرون الجاهلة الأولى، حيث شريعة الغاب، وحيث لا علم ولا معرفة