منذ غيبة الإمام الحجة ابن الحسن (عج)، وأتباع أهل البيت (ع) ينتظرون قدومه المبارك، والذي يتحقق على يديه حلم الأنبياء والأولياء بتشييد دولة العدل الإلهي، ببسط العدل والقسط في الأرض بعدما ملئت ظلما وجورا، حالة العشق والولع التي هي صفة مجتمع المنتظرين، تميزت بالبكاء والعويل والتلهف لرؤيته، حالهم كحال يعقوب النبي (ع) بإنتظار حبيبه وولده النبي يوسف (ع)، والتي إمتازت بذوبان الحبيبين بعضهما ببعض .
هذا المشروع الإلهي الكبير، جعل من أئمتنا (ع) يعدُّون أتباعهم ويجهزونهم لنصرة الإمام المنتظر (عج)، فهو ينتظِر منا كما نحن ننتظُر منه، لما يحتاجه من أساس عظيم للإنطلاق بمشروعه الإلهي إلى العالم، ولابد من فئة ذات قلوب كزبر الحديد تمتلك شجاعة كبيرة وإيمان راسخ للنهوض مع بدأ العد التنازلي للظهور المقدس، وهذه الفئة المنتظرة تحتاج إلى من يقودها، لكي يستطيع توجيهها بما يخدم هذا المشروع .
كما دلت بعض الروايات الشريفة عنه، عن الإمام جعفر الصادق (ع) أنه قال { … وليس في الرايات راية أهدى من راية اليماني ، هي راية حق لأنه يدعو إلى صاحبكم ، فإذا خرج اليماني حرم بيع السلاح على الناس ، وإذا خرج اليماني فانهض إليه فإن رايته راية هدى ، ولا يحل لمسلم أن يلتوي عليه ، فمن فعل ذلك فهو من أهل النار ، لأنه يدعو إلى الحق وإلى طريق مستقيم } بشارة الإسلام ص 93 عن غيبة النعماني .
إذن كما أوضحت هذه الرواية على مكانة هذا العبد الصالح الذي يتبنى قيادة مشروع الأمل، والذي سيحظى بدعم مطلق من قبل المؤسسات الدينية في النجف الأشرف وقم المقدسة، ومن خلال نسق وتتبع إنطلاقة اليماني الموعود أنه من المرجعية وإليها، فمن الطبيعي لما عبر عن رايته أو بالمصطلح السياسي حركته أو المنهج الذي يتبناه، من أهدى شيء سنجده ما قبل الظهور المقدس .
ومن جملة ما نستطيع فهمه للمهمة التي يتكلف بها قائد الحركة المهدية، فهو سيسعى لنتظيف الساحة العراقية وتهيئتها وجعلها مؤهلة بما فيه الكفاية، لتتشرف بقدوم صاحب الأمر ( عج ) والتي سيعتمدها الإمام في إنطلاقته المباركة، وهنا الإلمام بهذه الشخصية وجعلها المحور في حياة المنتظِرين هو من أبرز التكاليف الشرعية التي تناط بنا في وقت الإنتظار لما حظيت به من تأييد مطلق من أئمتنا ودعمهم أياه، فهم _ أي الأئمة ( صلوات الله عليهم ) _ ألزموا شيعتهم بإطاعته والإلتحاق به مهما كانت الظروف، وأن نلتحق به على أتم وجه، وكما حذرت من الإلتواء على صاحب هذه الراية لأن نتيجته النار بلا شك .
مهما كانت هويته أو إنتماءه المناطقي لابد أن نعرفه من خلال منهجه المبارك ومن خلال الدعم الذي يحظى عليه من قبل الحوزة العلمية الشريفة، والتي ستوجه الجماهير لتقديم فرض الطاعة له، بوصفه ذا راية ممهدة لقدوم الإمام المنتظر ( عجل الله فرجه الشريف )، وألا يقتلنا الفضول بالبحث عن من هو اليماني ومن أين هو ولماذا هو، هذه الأبحاث قد تجعلنا في موضع أن نقع بالفتنة وهذا ما لا يرغبه منا الإمام المهدي ( عج )، وقد يستاء منا لشدة ابتعادنا عن البعد الحقيقي لشخصية هذا العبد الصالح .
ولهذا قد حذر علمائنا من إسقاط الروايات على شخصيات معينة، لأنها قد تفشل هذه الإسقاطات وتؤدي بالأتباع إلى الشك، مما يؤدي إلى تمزق وتفتك بالمجتمع، وبالتالي ظهور مبتدعين يعملون على إدعاء هذه الشخصية المباركة، فالأفضل أن كيف ننتظر ؟, فحالات الإنتظار هي؛ تشخيص المنهج وتهذيب النفس وجعلها على إتصال دائم بينها وبين خالقها، وتربيتها على الإنتظار وتحمل كافة الإبتلاءات، لكي ننجح بعدم الوقوع بالفتن .
فمرحلة عصر الظهور ستمتاز بكثرة الفتن ومصائبها، وهذا ما دلت عليه روايات العترة من آل محمد ( صلوات الله عليهم ), فعن النبي محمد (ص) { إنَّ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ فِتَنًا كَأَنَّهَا قِطَعُ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ فِيهَا مُؤْمِنًا ثُمَّ يُمْسِي كَافِرًا ، وَيُمْسِي مُؤْمِنًا ثُمَّ يُصْبِحُ كَافِرًا ، يَبِيعُ أَقْوَامٌ أَخْلاقَهُمْ بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا يَسِيرٍ }, التمسك برواة الحديث _ أي مراجع التقليد _ ستكون عامل العصمة من الفتن، لأنهم أعرف الناس بملامح الظهور وشخصياته بما فيها الصالحة والطالحة .