هناك ظاهرة تستدعي الانتباه وتثير الاستغراب على كافة المستويات , وقد لاحظت هذا الامر مرارا وتكرارا خلال دراستي في كلية كلينديال في ولاية اريزونا .. فالحوار الانساني المتداول اصبح شبحيا ويمر عبر اجهزة الاتصال ويخضع لمنظومة الرسائل الالكترونية .. فلم يعد هنالك شيء اسمه حوار مباشر الا عبر هذه الوسائل .. حاولت متابعة ومراقبة هذا المشهد الغرائبي فقررت الذهاب الى كافتريا الكلية على اعتبارها عينة لدراسة هذه الظاهرة , فكانت التقاطتي الاولى لشابين من الجنسين يبعث احدهم للاخر رسالة وهم متقابلين على نفس الطاولة .. اكتشفت هذا الحوار الالكتروني الغريب بعد ان ابتسمت الفتاة وقبلته مباشرة , وقلت مع نفسي هذا جيد انه اتصال مباشر ثم عاد الاثنين على نفس الوتيرة بكتابة رسائلهم المتبادلة .. وانا مستغرق بهذا المشهد الفنتازي استأذنتني فتاة باستخدام نفس الطاولة لتناول وجبة الغداء . فقلت لها تفضلي .. وبعد مرور بعض الوقت سألتني هل انت تدرس هنا ؟ فقلت لها نعم . قالت وماذا تدرس ؟ قلت ادرس تقنيات الفن الحديث اضافة الى
Life Drawing
فقالت واو !!!!!!!!!!!! انت فنان اذا .. ثم اكملنا الحديث بشكل تقليدي كسرت جموده بسؤالها لي مالامر يبدو انك شارد الذهن , قلت انظري الى الطلبة حولك ماذا تشاهدين ؟ قالت وماذا تقصد ؟ قلت انظري الى الطلبة وانشغالاتهم .. قالت انهم يبعثون رسائل عبر
text message
قلت اذا هذا حوارنا الحداثوي الان . ارتفع صوتي قليلا وكأني القي خطابا .اين حوارنا الانساني واين ملامسة المشاعر الدافئة بيننا واين واين ؟؟ اصبحنا نتعارف عبر الفيس بوك ونتشاجر من خلاله ويبدأ الغزل والكلام المباح ثم يمتد عند الاخرين الى
chat and skype
ومن خلال هذه الممارسة بالصوت والصورة نمارس الجنس على الطبيعة وهذا يحصل حتى بين المتزوجين . بينما كنا في السابق ترتعش ايدينا وقلوبنا بملامسة الحبيبية ويحمر وجهها خجلا وحياءا , اما الان فهو لايحمر ولا يخضر ولا يصفر . قالت لي كلامك صحيح جدا وفيه اشارة مهمة فانا ادرس علم الاجتماع البايولوجي واحيانا اتساءل ماذا نعرف عن الاخر ؟ نحن نقود سياراتنا بزجاج مظلل وننظر الى الامام ولانرى ماحولنا .. علينا ان نغادر ذلك وننزل مع الناس مع الاخرين حتى نعرفهم ونعرف ثقافتهم .. نحن مقصرون بذلك .. انتهى حوارنا على موعد للقاء اخر.اما الاخرين فلا زالوا يبعثون برسائلهم .. وربما رسائل مختصرة . اذا اردت الاتصال اترك رسالة وسأعاود الاتصال بك .