منذ ان اعيد رسم خريطة الشرق الاوسط بعد نهاية الحرب العالمية الاولى على أساس معاهدة سايكس-بيكو وبزوغ النظام العالمي الجديد لم يترسخ مفهوم الدولة المعاصرة لدى المجتمعات العربية/ الاسلامية في الشرق الاوسط كما اراد له الغربيون.
على مدى القرن المنصرم ,الذي تميز بالحروب الكبيرة والصراعات الايديولوجية والمخابراتية , تراوحت علاقة القوى الغربية العظمى بحكومات وشعوب الشرق الاوسط بين المصالح الاقتصادية ومصادر الطاقة أو اسواق تصريف البضائع, او البحث عن حكومات حليفة لايقاف التمدد الشيوعي بغض النظر عن شرعيتها.
اضطرت الحكومات الغربية للتعامل مع حكومات شرق اوسطية غير شرعية اتى اغلبها عن طريق انقلابات عسكرية او استحواذ القبائل الكبيرة على الحكم ومصادرة حقوق القبائل الاصغر. وكان تعامل القوى الغربية مع حكومات شرق اوسطية غير شرعية أدى الى خلق فجوة لايمكن جسرها بين حكومات وشعوب الشرق الاوسط.
فرضت التحديات والمتغيرات الحالية مفهوما وتعريفا جديدا للدولة لدى المجتمعات الاسلامية عامة والشرق-اوسطية خاصة واكبتها أو ادت اليها تطورات فكرية لازال الغرب عاجزا عن أدراكها أو الاعتراف بها, فاستمر الغربيون بالتشبث بالمفهوم الدولة الذي افرزه النظام العالمي السياسي “الجديد” الذي اعقب الحرب العالمية الاولى.
تأكيدا على ماسبق وفي ظل واقع فقدان هوية عراقية موحدة, ليس بمقدور احد ان يؤسس جيشا عراقيا عقائديا ,يضم كل المكونات الاثنية والدينية, معد نفسيا لمواجهه داعش او الميليشيا الشيعية وذلك للتفاوت الكبير في المعنويات والارادة على المواجهة والقتال.
ليس في العراق فحسب, بل في اي جزء من اجزاء الشرق الاوسط لايستطيع جيش حكومي الآن ان يصمد ولو ساعات بوجه أي ميليشيا عقائدية او منظمة ارهابية وذلك بسبب ضعف الولاء (حماس والسلطة الفلسطينية وليبيا والجيش المصري في سيناء والجيش اليمني بالمقارنة بالحوثيين والقاعدة في شبه جزيرة العرب امثلة حية لما يحصل).
في ظل تهلهل مفهوم الدولة التقليدي في الشرق الاوسط وتحلل مؤسساتها الأمنية لم يبق للقوى الكبرى الا ان تختار أهون الشرين: الميليشيات الشيعية التي تقودها ايران والتي هي اقل خطرا على الغرب وامريكا واكثر تهديدا لامن اسرائيل, او القاعدة وفروعها الاخطر على امن الغرب والاقل تهديدا لامن اسرائيل. اي بكلمات اخرى, لاخيار للغرب الا خيار التعامل مع
الميليشيات الدعومة ايرانيا من اجل امن غربي وتنازلات اسرائيلية كبيرة,أو التعامل مع قاعدة اقل تشددا (تحاول دويلة قطر عزل جبهة النصرة عن القاعدة وتسويقها على انها شريكا مقبولا للغرب) وداعش الاكثر تعصبا للقومية منها الى الاسلام من اجل امن اسرائيل وزعزعة امن العالم.
اما رهان الغرب على دعم النظام العالمي الجديد ( صار الآن قديما) الذي اعقب الحرب العالمية الاولى في الشرق الاوسط وثم محاولات احياء فكرة الجيوش التقليدية فانه لابد رهانا خاسرا.
Neiman Marwany [email protected]