حالات تبعث على الاشمئزاز تمرّ علينا بين الحين والآخر منها ما يبقي عالقاً في الذاكرة من الصعب نسيانه.. فما أن يتاح لي مشهد مشابهة لما موجود في الذاكرة حتّى تحضر من بين ملفّاتها أخرى مشابهة في الشذوذ وان اختلف نوع الفعل.. عثرنا يومًا ونحن صبية على جمجمة لقتيل في مقبرة كنّا نلهو بين قبورها أو نسعى باحثين عن الكمأة ..المقبرة تعود لقتلى ثورة رشيد عالي الكيلاني “ثورة مايس” كانت قرب دارنا على أطراف مدينة الرمادي “منذ السبعينيّات تحوّلت إلى كراج النقل العام” ,منظر الجمجمة بالنسبة لنا كان يبعث على الرعب , هي أو بعض عظام صاحبها , نطمئن أنفسنا أنّ “الغريريّة” هي من تنبش القبور.. مشاهد الجمجمة المرعب لم تدعني اتناول العشاء تلك الليلة, ولغاية ما كبرنا عرفنا أنّ هنالك عصابات تنبش القبور لانتزاع ما تريده من جثث أو رفات الموتى فيرمى الفعل الشيطاني هذا على هذا الحيوان المسكين ..كبرنا أكثر لنعلم أنّ هنالك نوع من الانتقام الشاذ يسيطر على بعض من هو مهووس بأخذ الثأر .. جدّي لأبي رحمهما الله , قتل غرقًا عند وقت المغرب على ضفاف شاطئ نهر مدينة الديوانيّة الصغير بداية خمسينيّات القرن الماضي , من “الصوب الكبير” للمدينة قبالة “سينما الفرات الصيفي” تقريبًا.. التحقيق الجنائي أثبت أنّ الجدّ تعرّض لدفع متعمّد ألقي به في النهر بينما هو جالس عند ضفته من جهة عميقة أكثر الجلوس عندها في أخريات أيّامه عقب إحالته على التقاعد بعد الحرب العالميّة الثانية سنوات وأحيل بسبب إطلاقه عدّة أعيرة ناريّة على “ميجر” بريطاني لأسباب شخصيّة في الكوفة مقرّ عمله, أفضى لموته الأسلاك الشائكة “الجسر الجديد” لفّته معها عميقًا .. حامت الشبهات حول أحد الأقارب ,
لكنّ والدي غض الطرف وامتنع عن تشريح الجثّة أو نبش ما قد يكون ليس أكيدًا لو فتح التحقيق فدفن الفتنة ووأدها في مهدها وإن بقي دخّانها عدّة عقود يثيره بعض الأقارب “اللائمون” أبي تهاونه! وكان والدي له كلمته المسموعة آنذاك لو أراد “إشفاء غليله” بحكم مركزه الوظيفي لفعل , بل وأكرم من حامت حوله الشبهات فيما بعد بل وسعى لتزويجه أيضاً! ..وجدت تلك الحادثة مثل جيّد عن الإيثار والتعالي على أمراض الثأر والتعالي على نزعات الانتقام الّتي تصل أحيانًا لنبش قبر “المطلوب” والتمثيل برفاته ولو بعد عشرات السنين بل ومئات السنين كما ينوي ساسة إيران فعله بعد “استردادهم مكّة والمدينة يثرب” , ادّعائهم هذا نفاق سياسي بالطبع لا يخال إلّا على السذّج من العراقيين ,وكأنّ حوادث القتل بين العرب يهمّهم أمرها هم أيضًا! كما تردّد ذلك أكثر من مرّة على ألسنة بعض أبناء حشود المستقبل! أكيد البعض مستعدّ لهذا الفعل الشاذ والقبيح لو أتيحت له الفرصة ..فبالأمس القريب جدّا أعلن مجموعة من “الشيعة” نواياهم بنبش قبر صدّام حسين بتكريت حال “تحريرها” على يد سليماني بالطبع وبمباركة أميركا “بحجة مشتركة” القضاء على داعش ..
طبعًا التمثيل ببقايا جثّة الرئيس العراقي الراحل سيكون من النوع الخاصّ جدًّا , ليس بينهم من أبناء عشائر الجنوب بالطبع , بل هم عراقيّون من أصول “جيران” يتكلّمون “العراقيّة” بطلاقة من المؤكّد لأخذ الثأر من مئات الألوف قضوا في الحرب الّتي فرضها صدّام حسين على إيران” بحسب من يدّعي ذلك ممّن قدموا مع الشيطان الأكبر لاحتلال العراق , عفوًا لاحتلال بلدهم! ومن بينهم بكلّ تأكيد من عمل دليلاً للمحتلّ الأميركي لقطعاته وهي تجوب البلاد أو وهي تجوب الأزقّة بل وساعد في إرشاد حملة اغتيالات الضباّط والطيّارون والعلماء والأساتذة والأطبّاء .. الرفات في الإسلام أو الجثّة من المحرّمات المثخنة التحريم المساس بها أو نبش قبرها إلاّ لغايات شرعيّة فهي من الكبائر الّتي تخرج فاعلها عن الدين وعن الملّة مهما ادّعى ..
لّما تثار هذه الدعوى الاجراميّة , أو أيّة قضيّة أخرى مشابهة تثير اشمئزاز الكثيرون حدّ التقيّؤ , بالنسبة لي تتطابق لديّ صورة “النبش” عندما أشاهدها أو التمثيل بالرفات , ذهنيًّا وفورًا تتصدّر الذاكرة من بين ذكريات سنوات طويلة تعود إلى زمن دور المراهقة كم كنت أجده عملاً قبيحًا ومنفّرًا ودنيئًا ذلك الّذي يأتيه بعض الصبية أسمع بأذنيّ من يفرح مهلّلًا بالصياح وبالصفير يعلن ابتهاجه بحماس شديد: “أنّه قد رأى بعينيه قطعة ملبس داخلي لبنت !” بعد أن يكون قد رمى بين قدميها مرآة صغيرة وهي واقفة مكانها لا تعلم!.. أو سقطت عيناه بالصدفة على ما بدا له جزء بسيط من ملبس داخلي لامرأة ظهر من بين ملبسها الخارجي كأن يحدث ذلك أثناء نزولها من سيّارة أو سلّم أو نتيجة تعثّر في المشي! ..ما الفرق يا ترى بين هذا النوع من الهوس وبين ذاك؟ كلاهما هوس بمشاهد بعيدة عن الذوق وبعيد عن الإنسانيّة وعن التربية وعن الأخلاق القويمة, يُعزى ذلك برأيي نتيجة توقّف نموّ بعض أجزاء المدارك لهؤلاء النمط من الجنس البشري لظروف طارئة حادّة لا علاقة لها بالتربية البيتيّة في أغلبها ..