في الكثير الذي نقرأه ونتابعه نحاول ان نستقي منه أو نسلط الضوء على ما يهمنا من القضايا دون الإشارة إلى تفاصيل أخرى غير مهمة أو لا تصب في صالح قضيتنا، هذا على المستوى الشخصي، وكذلك تتخذ الدول والمؤسسات الإعلامية ذات النهج في تمرير ما يخدم سياساتها وغربلتها لتتطابق مع استرايجياتها المرسومة على المدى البعيد.
وهذا ينطبق على خبر قيام السي آي أي برفع إيران وحزب الله من قائمة الإرهاب! هذا الخبر انتشر كالنار في الهشيم، ولا بأس بذلك، فهو يؤكد بأن أمريكا لا زالت تمارس نهجها بدعم الإرهاب وليس محاربته! وهو ما نعرفه نحن العراقيون أكثر من الآخرين.
لكن تعالوا معي لنقرأ بقية التقرير الامني السنوي الذي قدمه جيمس كلابر مدير جهاز الاستخبارات الوطني الأمريكي أمام الكونغرس الأمريكي، والذي أستهله بموضوع الساعة وهو رفع إيران وحزب الله من قائمة الإرهاب، مع الإشارة إلى إن هذه القائمة لم تقدم أو تؤخر في استراتيجيات الدول على مستوى السياسيات الخارجية.
بداية كما نوهنا في بداية المقال أستبعد التقرير الأمني السنوي إيران وحزب الله من قائمة الإرهاب، لكن هذا ليس أهم ما جاء في التقرير، بل إنه وعلى ما يبدو استخدم للاستهلال عما سيأتي من التقرير وهو الأهم، والذي لم يشر إلى أي تغيير في وجهة النظر الامريكية السياسية المعلنة حيال إيران، ما يضع علامة استفهام حول اختيار هذا الوقت بالذات لرفع إيران من قائمة الإرهاب.
اعتبر التقرير أن إيران ما زالت تشكل تهديدا كبيرا للولايات المتحدة بسبب دعمها لنظام الرئيس السوري بشار الأسد، مع مواصلة سياساتها المعادية لإسرائيل، وتطوير قدراتها العسكرية، فضلا عن مواصلة برنامجها النووي “وهذا بحد ذاته يكفي لاستمرار بقاءها ضمن قائمة الإرهاب”.
كما أكد التقرير أنه لم تعد هناك أي عوائق تقنية أمام إيران لإنتاج أسلحة نووية، وأن طهران ستقوم بتحميل صواريخ باليستية برؤوس نووية، مشيرا إلى إن إيران تتمتع بأكبر ترسانة من الصواريخ الباليستية في منطقة الشرق الأوسط بعد أن حققت تقدما هاما في هذا المجال! وهذا الجزء الأخطر من القضية، فهل حقا أطمئنت أمريكا لإيران بعد كل تلك التهديدات؟
ليس هذا فقط، بل أشار التقرير إلى أن إيران تشكل خطرا إلكترونيا على الشبكة الدولية، محذرا من قيامها بهجمات تستهدف شركات خاصة بما يخدم أهداف السياسة الإيرانية على الصعيد الاقتصادي والدبلوماسي، فما هي دوافع الاستخبارات الأمريكية لرفع إيران من قائمة الإرهاب؟
يمكن فهم الدافع الرئيسي من خلال ما أشار له نهاية التقرير من إن طهران قدمت المساعدة في منع تنظيم الدولة الإسلامية من الامتداد والسيطرة على مساحات واسعة من الأراضي الإضافية في العراق، معتبرا أن لإيران “نوايا لكبح الطائفية”! و”تخفيف حدة التوترات مع المملكة العربية السعودية”! فيما يبدو المبرر الرئيسي لقرار الجهاز برفع إيران وحزب الله من قائمته لمصادر التهديد الإرهابي.
بمعنى آخر إن قرار رفع إيران من قائمة الإرهاب جاء لظروف مرحلية محدود المدى، مع الإشارة لضعف التبريرات مقارنة بالخطر الإيراني النووي والباليستي وسياساتها المعادية لاسرائيل! فهل يشكل تنظيم الدولة الإسلامية الخطر الأكبر من تهديد إيران النووي والباليستي؟ هذا السؤال ستجيب عنه استراتيجة امريكا القادمة في المنطقة، خاصة مع تزايد حدة الاتهامات لأمريكا بمهادنة إيران واللعب على أوتار أستفزاز الدول العربية التي لا زالت تنتظر موقف أمريكي حاسم تجاه التهديدات الإيرانية التي وصلت إلى حدود كبريات الأنظمة العربية.