22 نوفمبر، 2024 8:10 م
Search
Close this search box.

الظلام

متى تحيا ، و تخرج من معرفتك العظيمة ؟

عسى أن تتنفّس شيئا من الضوء

لتشاركني البكاء على الحياة

أما زلت في صقيعك المقيم ؟

مدجّجا بحكاياتك الأولى

الا ترغب يوما في البكاء معي على العراق ؟

خمسون عاما و النخلة تستباح

و عيون الدعاة صمّاء متلذذة .

ليتك تخطئ  يوما  ، و تتخلَّى عن معارفك الخالدة و تتلمّس عبق النور

لعلّك ترى شيئا مما أضاعه  الزمن الأعمى

*

كنتُ طفلاً

حينما سرق الظلام بهجة المساء

في الصبح نحر الشمس

وعند الظهيرة هدّم روح الكون

و في الغروب جلس فوق التلّ يستريح بعد أن أنهى مهمّته الباسلة

كان جدّي يعلمنا الضوء

يبحث عن فتات النور في الزوايا و المخابئ

كم  قد رأيت أرواح القمح  تسحقها الأيدي العابثة

كلّ شيء  كان جرماً حتى الحلم .

خوف مقدام سلب بغداد  روحها

و أنت لا زلت – الى الآن –  ذلك العارف الخطير ، تسطّر الأمجاد .

*

ثم  بأيديهم الكبيرة أسقطوا نخلتي ، لقد هشّموا صدرها ، و أداروا ساعة الزمن ألف عام

أرامل و أيتام  و عويل طويل

سنين من الحرب و النزيف

و خلف الأسوار، هناك ،  صوت لا قلب له

كأنّنا قتلنا آلهته الحبيبة

لطالما بحثنا عن فمٍ  ، عن كلمة

( الرحمة بهذا الشعب ،

كفى هذا الصقيع الأحمر )

لا أحد أبدا ،  الكلّ يتلذذ   .

*

ثم كانت  الحماقات العظيمة

تشريد مدن البحر

لا تجد أحدا يدفع الثمن سوى أرواحنا المتعبة .

سنين من القحط

أجساد خاوية تمشي في الشوارع

كل شيء تلاشى ، لا خبز لا أغنية

حصار ينهش عظمنا

و العالم الأعمى يلبس نظاراته البرّاقة و يتبجّح بالعدالة و الحكمة

*

ثم حلّت أيدي الغرباء

بإسم الحريّة و الربيع الباسم

تحصد ما تبقى من سنابل القمح

و كانت قصّة أمل و نداء

( يرحلون و نبقى ).

*

قدرنا أنّنا نخلة

وأنّنا عراق

ذلك الجريح  المقدّس

ليس لشيء ، سوى أنّه سيّد و رسّام قدير

*

بعدها ، أقحموا الدمى تعبث في المكان

أصوت تتعالى ، أقاليم مشرقة و إنفصالات زاهرة  ، و تقسيمات لجسد الكعكة الحبيبة

وسط أنين مقيم و ركام من الجرحات و العمى

*

ثم كانت آلة الموت

مفخّخات  أطربت مخيّلة الجالسين في الظلّ  ،تغتال الطفل و الزهرة اليافعة

و بدأ الفصل الكبير

بإسم السماء ، و الخروج عن الشريعة

نُذبَح كالخراف ، و العيون تتلذّذ ،و تصفّق

كنتَ تظنّ أنّك بعيد

لكنّهم اليوم في دارك ، و كما ترى  يحطّمون الأمل و الأغنية

و يسرقون وجودك كلّه

أخبرني

متى تحيا  ، و تخرج من معرفتك العظيمة ؟

عسى أن تتنفّس شيئا من الضوء

لتشاركني البكاء على الحياة .

ليتكَ تخطئُ يوماً و تشاركني البكاءَ على الحياة .
قصّة الحضارة  بقلم ويل ديورانت
قصّة الخراب  بقلم أنور غني

أحدث المقالات