استلمت كثيرا من تعليقات الزملاء حول مقالتي الاولى والثانية عن رابطة الطلبة العراقيين في الاتحاد السوفيتي , واهمها – من وجهة نظري – ما جاء في حواري ومراسلاتي العديدة مع صديقي المهندس ضياء العكيلي , صاحب فكرة الكتابة عن تاريخ الرابطة و أحد قادتها في ستينيات القرن العشرين الماضي كما ذكرت في الحلقتين المذكورتين , وكان من الطبيعي – نتيجة لذلك – ان تولد فكرة تسجيل هذا الحوار معه اكمالا لهدفنا المشترك وهو المساهمة في كتابة تاريخ رابطة الطلبة العراقيين في الاتحاد السوفيتي ودورها في مسيرة الحركة الطلابية في العراق عموما .
طلبت من الصديق العكيلي ان يحدد لي اولا فترة رئاسته للرابطة , فقال ان ذلك حدث في المؤتمر الثالث للعام الدراسي 62/ 63 , حيث تم انتخاب اللجنة التنفيذية للرابطة برئاسته, ولم تسمح الاحداث آنذاك بعد انقلاب 8 شباط الاسود عا م 1963 ان يعقد المؤتمر السنوي الرابع للرابطة كما كانت تجري الامور عادة سنويا , ولهذا استمرت اللجنة التنفيذية بعملها للسنة الدراسية الاخرى , اي للعام الدراسي 63/64 , وعندما سألته عن اسماء اعضاء تلك اللجنة أجابني ان سنوات العمر جعلته لا يتذكرهم الان جميعا , ولكنه مع ذلك أشار الى بعضهم مثل صاحب مهدي وفالح عبد القادر والمرحوم خالد الزبيدي ودارا رشيد جودت , ولم يستطع ان يتذكر الاسماء الاخرى , وعندما قلت له ان بعض هذه الاسماء عملوا في اللجنة التنفيذية السابقة وليس معه , لم يستطع ان يحدد مدى دقٌة ذلك , وعندما أضفت انا له بعض الاسماء الاخرى حسب ذاكرتي مثل المرحوم سعود الناصري و سعد الجادر ومنذر نعمان الاعظمي وشريف الشيخ وعبد الله حبه و عبد الجبار عطيوي وعزيز عمران وعبد القادر الجبوري والمرحوم امين جلال وميران ( نسيت اسم والده ) واكرم عزيز وكذلك الزميلات ناهدة البدري وماركريت كانيكانيان وماجدة عبد الرضا وسلوى زكو …,
لم يستطع العكيلي ايضا تحديد مساهمة كل واحد من هؤلاء الزملاء, لكنه أكٌد وجهة نظره على ان تلك اللجنة كانت تعمل بروح الفريق الواحد المتضامن وبكل حماس واخلاص. سألته ايضا عن رأيه الشخصي بالرئيس الاول للرابطة المرحوم الدكتور محمد علي عبد الكريم الماشطة والرئيس الثاني للرابطة المرحوم الدكتور وجدي شوكت سري , فكتب اليٌ عدة سطور حولهما يقول فيها ما يأتي –
(فقيدنا الغالي الدكتور المرحوم محمد علي الماشطة الذي منحه الطلبة الذين توافدوا للدراسة في الاتحاد السوفيتي في ستينيات القرن الماضي ثقتهم بان يكون اول رئيس لرابطة الطلبة العراقيين في الاتحاد السوفيتي دليل صارخ بالكفاءة العلمية والاخلاقية والوطنية التي كان يتحلى بها . أما رأي الشخصي فأقول – انه جبل من الطيبة والبساطة والوطنية / فقيدنا الثاني الدكتور المرحوم وجدي شوكت سري الرئيس الثاني للرابطة – نهر دافق من النشاط الطلابي والوطني , وفي رأي الشخصي , فان هذا النهر اثناء جريانه ( كما هو البعض من النشطاء في الحقلين الطلابي والوطني ) تعلقت به بعض الشوائب , وهي خيوط من النرجسية الذاتية, لكنه لم يدخر وسعا في بذل الكثير من الجهود لرفع مكانة وسمعة الرابطة وخدمة مصالح زملائه الطلبة الذين منحوه الثقة في قيادة الطلبة . )
سألته ايضا حول رأي رئيس الرابطة لمدة سنتين دراسيتين بشأن الاشياء التي أنجزتها الرابطة برئاسته وبشأن الاشياء التي لم يستطع انجازها , وقد أجابني العكيلي قائلا –
ما لم استطع القيام به اثناء تلك الفترة هو الجمع المتكامل والمتناسق بين نشاطي في عمل الرابطة وحياتي الشخصية بشقيها الاكاديمي والترفيهي مثل بقية الطلبة حولي , وهذا هو شأن من يختار العمل في هذا المجال , وانا لست بنادم على ذلك ابدا . أما فيما يخص الاشياء التي انجزتها الرابطة خلال تلك السنتين فيمكن ايجازها كما يأتي –
الشئ الذي اظن باني حققته اثناء تلك الفترة هو الحصول على ثقة اكثرية الطلبة واحترامهم , واذا لا ابالغ يمكنني القول ثقة الاكثرية المطلقة . ثانيا وبحكم علاقتي الجيدة مع العديد من مسؤولي وزارة التعليم السوفيتية بما فيهم الوزير نفسه , و مع مسؤولي الطلبة الاجانب في الجامعات والمعاهد التي كان يدرس فيها العراقيون , ومع مسؤول الطلبة الاجانب في عموم الاتحاد السوفيتي بوزارة التعليم السوفيتية السيد سوخين , وكذلك مع المسؤولين في السفارة العراقية في موسكو من سفراء والملحق الثقافي وحتى الملحق العسكري , استطعت تحقيق الكثير من احتياجات الطلبة العامة وحتى حل بعض المشاكل الشخصية . ثالثا كنت أسعى بشكل شخصي الى حل الخلافات الشخصية والسياسية وحتى القومية لدى بعض طلبتنا ما ان تبرز , ولا أدعها تكبر وتتضخم ابدا .
طلبت من الصديق العكيلي ان يحدثني عن انطباعاته حول تلك السنتين في رئاسة الرابطة فكتب الي ما يأتي –
انطباعاتي عن تلك الفترة كثيرة ومتشعبة بين الحياة الاكاديمية والحياة اليومية الجديدة بالنسبة للطلبة . لقد أولت الرابطة اهتماما خاصا وكبيرا لموضوع تعايش الطلبة مع المجتمع الروسي , اذ ان معظم طلبتنا لم يسبق لهم الاختلاط بشعوب اخرى والتعرف على عاداتهم وحياتهم اليومية , وقد وجدوا امامهم فجأة نوعا جديدا من الحياة , وكانوا طبعا بلا مراقبة الاهل , وقد ابتعد البعض منهم عن العادات والتقاليد التي ورثوها في مجتمعهم , وقد أدٌى ذلك الوضع الى امكانية الانحراف , لهذا فكان لزاما على الرابطة ان تبذل جهودا استثنائيا في هذا المجال , وحاولنا بكل اخلاص ان نجعل الطلبة يتعايشون مع المجتمع الجديد هذا . كان شعار الرابطة آنذاك هو – التفوق العلمي , وهو شعار تقبله الطلبة , ويمكن لي ان أقول ان 90% من الطلبة قد التزموا به , وانه أثمر فعلا , اذ عاد الخريجون الى العراق , وشغل بعضهم مراكز عليا في أجهزة الدولة وبكفاءة عالية وقدموا لبلدهم
خلاصة ما تعلموه في الجامعات السوفيتة , رغم المواقف الرسمية العراقية المعروفة هنا وهناك تجاه الشهادات السوفيتية.
الحوار مع الزميل العزيز ضياء العكيلي ممتع بلا شك , و من المؤكد ان هذا الحوار بحاجة الى اضاءات اخرى تتناول مثلا النشاطات الثقافية للرابطة وتلك الاسماء التي ترعرعت في اوساطها وبرزت فيما بعد , وهناك موضوع مهم آخر يتطلب التوقف عنده وهو العلاقة بين الاحزاب السياسية والمنظمات الجماهيرية وانعكاس ذلك على مسيرة رابطة الطلبة العراقيين في الاتحاد السوفيتي وتنظيمات الحزب الشيوعي العراقي في الاتحاد السوفيتي آنذاك وغيرها من المواضيع التي لازالت مطروحة امام المجتمع العراقي لحد الآن … ان الاستمرار الحيوي الدائم للحوار مع العكيلي وبقية الاشخاص الذين عاصروا تلك الاحداث و حثٌهم على كتابة مذكراتهم – هي مسألة ضرورية جدا للوصول الى التفاصيل الدقيقة التي نخشى جميعا ان تطويها الاعوام ولا نستطيع تسجيلها لنا وللاجيال اللاحقة , كي نتمعن ونتأمل فيها و ندرسها بعمق ونستنبط منها تلك الخلاصات الصائبة والمفيدة التي يجب ان تبقى على الارض بعدنا …