18 ديسمبر، 2024 10:21 م

الاغتصاب: المقاومة تفشله، والحديث عنه ضرورة

الاغتصاب: المقاومة تفشله، والحديث عنه ضرورة

مع ذلك لا أستطيع الجزم بأن من تعرضت لهذا الموقف تنجو منه تماما، فهناك الأثر النفسي الذي يظل عالقا مدى الحياة، وهاجس الاغتصاب الذي يحول الحياة إلى فزع دائم وينغص العلاقات.

منذ فترة كتبت على صفحتي على فيسبوك أنني تعرضت لما لا يقل عن أربع محاولات اغتصاب في حياتي نجوت منها جميعا بالمقاومة والتصدي. كتبت ذلك في يوم المرأة العالمي لأني رغبت أن أعطي مثالا لما تتعرض له المرأة من اضطهاد على مدى حياتها. بعد هذا “الستاتوس” الذي وجده البعض جريئا والبعض الآخر صادما، واعتبره آخرون شجاعة ومواجهة ضرورية، وصلتني على الأنبوكس كمية رسائل مرعبة من سيدات وفتيات واجهن نفس الموقف، أو أسوأ منه أو أقل، قصص مفزعة حقا لم أجرؤ على قراءة بعضها للنهاية، وبالأخص تلك التي حدثت في سن الطفولة.

لن أسرد القصص التي وصلتني لأن أصحابها ائتمنوني عليها، لكني سأعيد سرد قصتي في هذا المقال لأنها ربما تستطيع أن تفعل شيئين: الأول هو أن تقول لكل امرأة واجهت هذا الموقف أنها ليست وحيدة، وإننا جميعا تعرضنا لحالة تحرش واحدة على الأقل في حياتنا، وأن الصمت لا يفيد، ولا بد من الحديث عن هذه الأمور مع شخص نثق به.

الشيء الثاني الذي أريد أن أقوله من خلال سردي لهذه القصة هو أن المقاومة الشديدة والتصدي للمعتدي يفشلان التحرش أو الاغتصاب بنسبة 50 بالمئة، على الأقل كما بينت الدراسات، هذا يعني أنكن مطالبات بمقاتلة المعتدي، بكل الوسائل المتاحة لكن، وأولها الصراخ والضرب. تعرضت إذن في حياتي لأربع محاولات اغتصاب على الأقل، فشلت جميعها، بفضل مقاومتي الشديدة لها.

المرة الأولى كنت في سن الـ13 أو الـ14 عندما لاحقني أحد أقرباء العائلة في الظلام، جريت وجرى ورائي، إلى أن قبض على شعري. تمكنت من الإفلات من قبضته في آخر لحظة وبقي شعري عالقا بكفه التي لم أصافحها إلى يومنا هذا، رغم أن الحادثة مر عليها زمن طويل.

المرة الثانية من زميل دراسة عرض أن يوصلني بسيارته إلى البيت، وفي الطريق أخبرني أنه مضطر إلى المرور ببيت أسرته ليبلغ أمه أمرا عاجلا، اقترح أن أدخل لأسلم على أمه، وعندما دخلت لم أجد أحدا في البيت. حاول الاعتداء علي، لكني أسرعت إلى المطبخ وسحبت سكينا، لم أتركه إلا وأنا أمام باب بيتنا، عندها رميته له فوق مقعد السيارة وطلبت ألا يريني وجهه مدى الحياة، وهو ما حدث بالفعل.

المرة الثالثة في هولندا، زميل عمل اقترح أن أشرب لديه قهوة، كنت ساعتها لا أزال طالبة وأعمل في نهاية الأسبوع في مطعم يملكه مسيحيون عرب. ذهبت برفقته إلى شقته وفي اعتقادي أن العزومة لا تتعدى قهوة ما بعد العشاء كعادة الهولنديين. تفاجأت وأنا لديه بأنه يغلق الباب ويحاول الاعتداء علي، ولو لم ينقذني تمثال السيدة العذراء الذي كان موضوعا على التلفزيون، لكنت الآن ضحية اغتصاب. حملت التمثال بين يدي، فتراجع إلى الخلف وطلب مني تركه، لكني رفضت، إلى أن فتح الباب وسمح لي بالخروج. المرة الرابعة جاء الاعتداء من شخص كنت مخطوبة له وفسخت الخطوبة، في الأول لوح بأنه سيقتل نفسه، ثم حاول الاعتداء علي، ساعتها فتحت نافذة في الطابق الثالث وهددت برمي نفسي إذا لم يتراجع ويتركني.

رويت هذه الحالات رغم خصوصيتها الشديدة لأبرهن على حجم الاعتداء والضغط والترهيب الذي تواجهه المرأة في ثقافة ذكوريّة متعنتة. كنت محظوظة بأن نجوت في جميعها، كثيرات غيري لم يكن محظوظات، أو يملكن شجاعة المقاومة والتصدي. هذا ما تقوله الرسائل التي لا تزال تتوافد.

مع ذلك لا أستطيع الجزم بأن من تعرضت لهذا الموقف تنجو منه تماما، فهناك الأثر النفسي الذي يظل عالقا مدى الحياة، وهاجس الاغتصاب الذي يحول الحياة إلى فزع دائم وينغص العلاقات.

كن بخير، فذلك أفضل دائما.
نقلا عن العرب