يوم الاحد قبل الماضي كنت اشاهد قناة الرشيد الفضائية وهي تعرض برنامج ” المشهد الاخير”
الذي تقدمه ” العلوية الحسناء” هيفاء الحسيني اسوة ب 60% من ذكور العراق الذين يلاحقون هذا البرنامج ليس فقط بسبب جمال وجه العلوية ، بل وايضا للثغة الراء الحلوة عندما تنطق بها.
وبعيدا عن المناورة والمراوغة ، التي يجيدها الكومبارس السياسي بذكوره واناثه في العراق ، فأن حضور هذا البرنامج مرده الاعجاب بالمستضيف وليس بالمستضاف مهما علت مكانته واصبحنا نمتلك الاشباع من سماع الاكاذيب والخدع التي ينفثها هؤلاء اعتقادا منهم انهم يقنعون الشعب بما يقولون . .
صدف اللقاء مع هيفاء هذه المرة ان يكون المستضاف هو السيد اياد علاوي نائب رئيس الجمهورية ،وليته ما ظهر، اذ على عادته ، وكما يعلم الجميع ، بدأ ،مطنبا ومسهبا، بشرح الواقع العراقي وما يحصل فيه مركزا الحديث عن المصالحة ، التي يهوى الكلام عنها دون اي واقع ملموس او خطوة الى الامام لتنفيذها حتى هذه الساعة وستليها ساعات وساعات .
في سؤال لهيفاء ..هل يمكن المصالحة مع الهاشمي والدايني او العيساوي وغيرهم وهم ممن صدرت الاحكام عنهم ؟؟ ، اجاب علاوي ما نصه … قضايا قانونية وقضايا اتخذت ضد اشخاص بدون السماح لهم بمحاكمة عادلة وواضحة .. واضاف اطالب الحكومة العراقية والقضاء العراقي بأعادة فتح المحاكمات مرة اخرى .. لقد حصلت اتهامات كيدية ضد بعض الناس وهناك تجري تعذيبات وانتزاع اعترافات وحصلت اتهامات كيدية .. تم حضور العديد من هؤلاء الى المحاكم وتمت تبرئتهم ومن محاكم التمييزايضا ، هؤلاء ممن كان بعضهم متهما بالنزاهة او بالارهاب .
تدخلت مقدمة البرنامج وقالت .. دكتور كلامك يعطينا الانطباع هناك ” اكو ” خلل بالقضاء العراقي …
و بمفاجأة لم يكن يتوقعها احد من علاوي الذي طالما اشتكى من فساد القضاء عندما تتهدد مصالحه ، قال ما نصه … الحقيقة انا مؤمن بأستقلالية القضاء .. للآسف حصلت تدخلات في مسألة القضاء … ولكن شخصيا اثق بهم … ولكن تعرفين “حضرتج” ان الانسان اللي يتعرض الى ضغط من الصعب ان يتأقلم مع هذه الضغوط ويؤدي ما عليه من رسالة !!!.
قاطعته هيفاء قائلة .. يعني بعد هذه الضغوط موجودة ؟؟؟ اجاب … لالالا ، تراجعت هذه الضغوط وقد جاء الى المحاكمة اشخاص كثيرون منهم محافظ البنك المركزي السابق ووزير الاتصالات السابق وقد برأتهم المحكمة وبرئهم التمييز ايضا … ليش ، قال علاوي ، لأن القضاء بدأ يتنفس وبدأ يأخذ ابعاده كسلطة مستقلة ثالثة في هذا البلد اسمه العراق ، هذا القضاء ، يعني ، آني بصراحة ، تدرين اي دولة مهما كانت دكتاتورية او ديمقراطية لها دعامتين الاولى القضاء النزيه القوي والثانية القوات المسلحة وقوى الامن الداخلي بدون ذلك لا توجد دولة لا في العراق او امريكا ولا في روسيا ….
استطرد علاوي في هذه المرثية العجائبية يقول … القضاء العراقي هو من الدرجة الاولى …ممتازين ويجب رفع الضغوط عنهم والحمد لله بدأوا يأخذون القرارات الصائبة التي تصب في صميم العدالة … انتهى حديث علاوي .
بهذا المنطق يريد سياسيونا ان نسكت ولا نتهمهم بالممالئة او التزلف ، بهذا المنطق العجائبي يبرر هذا “الزعيم المنتظر” و”العلماني “، كما يصفه بعض من حاشيته ، الافعال التي تقارب الخيانة العظمى لبعض القضاة واعضاء اخرين في الجسم القضائي العراقي حيث تمت اصدار احكام بالاعدام على الكثيرين دون محاكمة عادلة او ادلة ثبوتية واودت بحياة العديد منهم
…بهذا الكلام غير المنطقي البتة يبسط علاوي هذه المسألة الخطيرة بخلق فرية تقول ان من حق القاضي ان يرضى بضغط السلطة التنفيذية ويصدر اي حكم تطلبه تلك السلطة حتى ولو كان الاعدام لان هناك ضغطا عليه ..في حين ان هذه الحالة ليست سوى ” خيانة وظيفية يحاسب عليها القانون”… فالقاضي يفترض ان يعمل وفقا لضميره وليس لما ترغبه السلطة التنفيذية .
ان كان علاوي يتحدث بمثل هذا المنطق الافلج ، مبررا افعال القضاة الذين لايمتلكون ذرة من النزاهة والضمير المهني الحي وهم كثر ، فماذا نتوقع من سياسيي الصدفة الذين قدموا من بعيد ومن احزاب اسلاموية ومن الذين لايفقهون قيمة نزاهة القضاء وعدالته وصموده بوجه اية ريح عاتية ومن اي مصدر اتت وفي اي وقت كان ؟
لقد اصدر القضاء الحالي ، وبمنتسبيه الحاليين ، ايام حكومة السيد المالكي سيئة الصيت ، وبضغط منه شخصيا ، عشرات من قرارات الاعدام ، وتم تنفيذ الكثير منها ، فهل كانت تلك الاحكام خاطئة ام صحيحة ؟؟ وهل ان تمت اعادة محاكمة هؤلاء وسيبرؤن ستتمكن انت او غيرك اعادة من نفذت الاحكام بحقهم الى الحياة ؟؟؟؟
ان اردتم بناء بلد قوي وعادل عليكم قول الحقائق في كل مكان وزمان ،ما قلته ، ياسيد علاوي ، خطأ يحسب عليك فالقضاء العراقي فاسد والرشوة تنخر عظامه ولا يستقيم الا بأجراء عمليه جراحية في هذا الجسم المنخور والمهترىء بدأ من رأسه حيث يتربع عليه رأس البلاء مدحت المحمود ، حتى اخمص قدميه وعند ذاك يستطيع العراقي ان يعيش بأطمئنان بأن لديه جسما قضائيا سليما لا تهزه تسونامي المالكي ام غير المالكي .
ولأن الشيء بالشيء يذكر اقول للسيد علاوي بان الرئيس الباكستاني السابق الجنرال برويز مشرف حاول استغلال القضاء في بلده – كأي دكتاتور – ولكن رئيس المحكمة الاتحادية الباكستانية ( وليس العراقية ) القاضي النزيه تشودري رفع اصبعه بوجه الدكتاتور وقال كلمته ، كلمة الشرف والانفة موجها حديثه للجنرال ( لا اوافق ولا تتدخل في شؤوننا ..)
ابعد هذا القاضي ، فترك منصبه ولكنه نال محبة وتقدير شعبه ، وفي الختام ذهب الدكتاتور وعاد القاضي تشودري مرفوع الرأس الى مكانه فكسب الشرف والمكانة العالية ومحبة الجماهير … .
هل حصل ذلك في العراق ؟؟ هل خالف مدحت المحمود رئيس المحكمة الاتحادية قرارات نوري المالكي بالتدخل في شؤون القضاء وتسييرة الوجهة التي يرغبها ؟؟ هل نسي السيد اياد علاوي ان المحكمة الاتحادية فسرت قرارات تشكيل الائتلافات في الانتخابات قبل الماضية وفقا لما يرغبه لمالكي وحاشيته اللعينة ، بل وذهبت الامور ابعد من ذلك حيث قام احد ” القضاة التابعين لدولة القانون محمود الحسن وهو نائب في البرلمان العراقي الحالي ويرأس اللجنة القانونية ( ما اهزل هذا الواقع ) ووزع سندات كاذبة على الفقراء لكسبهم الى قائمته في الانتخابات .. ومع ذلك يقول علاوي ” ان القضاء العراقي من الدرجة الاولى وممتازين ويجب رفع الضغوط عنهم ” ..
في الختام وحتى لا يتهمنا احد بالتعميم ، نقول اننا لانستطيع الزعم بان الجسم القضائي برمته فاسد ومرتش ولكن جزءا كبيرا منه يقع ضمن هذه الصفة وعلى رأسهم العجوز مدحت المحمود القائل لصدام انت اعظم قائد لأعظم شعب.
لقد اوقعت قناة الرشيد الفضائية وجميلتها هيفاء الحسيني السيد اياد علاوي في مطب التسرع بالحكم على امور حساسة ومنها موضوع القضاء المثير للجدل في العراق وكان عليه ان يزن كلماته بهذا الصدد بشكل دقيق … ان العراق لايمكن اعادة بناءه واعادته ليكون بلدا حضاريا قويا ومتماسكا ويشعر فيه المواطن انه محمي قانونا ، الا بوجود قضاة نزيهون الى ابعد حدود النزاهة لايحنون رؤسهم امام الضغوطات مهما كبرت او صغرت وهذا غير متوفر حاليا في بلدنا الذي ابتلي بأنصاف الرجال .