أكتب اليكِ هذه الرسالة من مدينتي بجنوب لاهاي الهولندية حيث الاراضي كل أشبارها خضراء ، ليس فيها براري ولا قفار، بل فيها سواقي المياه والبحيرات تحيط بالمساكن والزهور . تسطع حياتها بمساهمة نسبة 90 % من موظفي بلديتها من النساء بما فيها الرئيسة وعدد من رئيسات الاقسام . اسمحي لي أن أقدم لكِ التهاني الصادقة فقد كان تعيينك بهذا المنصب خطوة تجسد عملياً دور المرأة العراقية السامية واحتراماً لحوافزها وقدرتها على المساهمة مع أخيها الرجل العراقي في تجديد البناء الاجتماعي المخّرب في بغداد .
السؤال يضعه البغداديون أمامكِ: هل لديكِ خطة حياة أفضل ليكون في بغداد سلامٌ ورغيفُ نورٍ ..؟ هل يرتفع نبض العاملين في مبنى مؤسستكم بعد تسنمكِ منصب أمينة العاصمة بغداد..؟ هل تتبدد كآبة البغداديين..؟ هل يتبدد الحزن الشرس المخيم على كل زاوية داخل العاصمة..؟ هل ستعود أفواه البغداديين تنشد غناء الفرح والسلام والتقدم أم تمضي السنوات وكل واحدة منها تضم 12 شهرا تحجب عن العاصمة النور والماء وحكمة البناء..؟
يعتقد بعض الموظفين الكبار ، أيتها السيدة الأمينة، بأن كرسي أمين العاصمة بمثابة (ماسة) جميلة ينبغي المحافظة عليها لأنها الوسيلة الوحيدة لفرض السيطرة على بقية العاملين في مبناها التراثي. بهذه الصورة كان آخر أمنائها قد استجاب إلى لمعان (الماسة) من دون أن يعرف أن (الجلوس الكثيف) على كرسي الماسة لا يعني غير (التخلف الكثيف) ، الذي لا يدمج نفسه ونشاطه بما يريده المواطنون لمدينتهم أو يتخيلونه.
أنا لم اسمع باسمكِ الا اليوم ، أيتها السيدة الأمينة . لم أعرف منصبكِ السابق ولا منصبكِ الأسبق. ربما لأن المنصبين لم يحققا إنجازات متميزة وإلا كنا سمعنا بها أو شاهدناها. لكن اظن أنكِ تعلمين، كما يعلم الجميع، أن منصبكِ الجديد يحتم عليكِ ، أولا وقبل كل شيء، إعادة هيكلة القوى العاملة في جميع فروع الأمانة ، واتباع سياسة جديدة في تحديد أسس العمل اليومي القائم على افضل اساليب الادارة العقلانية والديمقراطية. من المعروف في كل نظام اداري علمي صحيح هو أن المدير او المديرة او امين العاصمة او الأمينة أن يكون لديه أو لديها فكر اصلاحي جديد ، وسيكولوجية جديدة، لتصحيح مسار اداري خاطئ.. فهل عندكِ ،ايتها السيدة ذكرى علوش، مثل هذا النظام الاداري الجديد، القادر على تحقيق الاصلاح في مؤسسة أمانة العاصمة بغداد ..؟
اسمحي لي ايتها السيدة الامينة أن أنبه سيادتكِ أن البورجوازية الحاكمة في كل المدن الاوربية لم تنجح ادارة البناء في خططها الحضرية من خلال دمج البعد الديني مع البعد الإداري، بل بتكريس حب العمل والتفاني في تقديم الخدمات المتنوعة للمواطنين. هذا الحب وحده بإمكانه أن يقيم جنة الله على الارض وليس في السماء .. هذا وحده هو الشكل الراقي في دمج الاخلاقية الدينية الفردية بالأخلاق الإدارية الجماعية ،التي تسهل العيش الكريم الذي ظل فيه البغداديون طوال عقود من الزمان يعانون من الضيم والعتمة والفقر في ظل ظروف ادارية كان فيها أمناء بغداد يبررون التخلف المريع بأسباب غامضة لا يريدون تغييرها.
أنتِ مدعوة ، كمهندسة ،وكامرأة اولاً، أن تعملي بطريقةٍ تفجر طاقات الموظفين المخلصين في الأمانة لتتمكني من تحريك القوى الاجتماعية لحل كل الاشكاليات الادارية المستعصية، وأن تعزلي جميع العناصر الفاسدة او غير الفاعلة او المعرقلة . بدون ذلك فأن التناقضات والصراعات ستعطي نتائج سلبية تعقــّد إنجاح خططكِ التطويرية المفترض أنكِ تملكين الكثير منها الأن. الامل أن يكون هناك تصور استراتيجي جديد لتطوير عمل الأمانة بالتخلي تماما عن كل الافكار العمومية العابرة ، التي وجدتها في تصريحكِ الاول حين قلتِ: ( إنشاء الله سأعيد الالق الى بغداد..) بينما كل بغدادي أصيل يعرف أن ألق العاصمة بغداد لن يتحقق إلا عندما يعمل امينها وفق معطيات ادارية دقيقة تتوصل في النهاية الى تغيير حقيقي ينقل العاصمة التاريخية بغداد من دمامة الخراب والتخلف الى الجمال النموذجي.
أملي أن تكون بصيرتكِ الادارية مبنية على العمل بطريقة تدريجية تبدأ بملامح ازالة الخراب من قلب العاصمة ، شارع الرشيد ، مثلا ، كمخيلة تحقق نقلة نوعية لمؤسستكم جامحة الى اعمار بغداد بجهاتها وأطرافها كلها.
تذكري ، سيدتي ، أن الجمع بين الخيال وتحليل الحقائق يهدف بالنتيجة الى خلق حياة نشيطة في بغداد كلها، وفي اجهزة أمانة العاصمة كلها، لنقلهما معا الى حالة متطورة للبغداديين كلهم.
اتمنى أن تستطيع امرأة ،وديعة، أن تدير أمانة العاصمة المليئة بتناقضات كِثرة من الطيبين وقلة من الثعالب والذئاب..
تقبلي أيتها السيدة الأمينة تحياتي الحارة.