عقل الأمة مكبّل بما “قال” فلان وذكر فلان , ولا يمكنها أن تتنفس هواء الحرية وتتفاعل بعقلها مع عصرها إن لم تحطم قيود “قال”!!
أمة تتحرك في أنفاق “قال” , لن تستطيع الحركة في فضاءات شاسعة , ولا تدرك ضرورات صناعة الحياة وبناء المستقبل , وتحميل الأجيال رسالات إنسانية واعدة.
إنها أمة مخنوقة ومحرومة من أوكسجين الوجود المعاصر.
أمة تريد أن تعيد عجلات الزمن إلى الوراء , وتمنع دورانها مع دوران الأرض , فكيف ستواكب وتتناغم مع حركة الكون الوثابة الرائدة المتجددة الولاّدة؟
إن التعتق في أوعية “قال” يتسبب في تخمر الأفكار , وإكتسابها درجة عالية جدا من السمية والتأثير المسكر , الذي يصيب العقول والنفوس والأرواح بالغثيان الرهيب , فيجعلها تتطوح في شوارع أيامها وتترنح على أرصفة الويلات , وهي مغيبة الوعي وفي إنقطاع عن واقعها , وشرود عن ذاتها وموضوعها , بل أن هذه الأفكار تحولها إلى وحوش كاسرة وضواري سابغة, ذات فظائع منكرة ومآثم مقرفة , وتتحول إلى مشاريع خطايا وويلات رهيبة.
فالذين يعيثون في الأرض فسادا ويسفكون دماء الأبرياء , إنما هم من المصابين بالإدمان على أفكار “قال” , والمنومين بتأثيراتها المسكرة التي جردتهم من أية صفة آدمية , وقتلت كل نفس طيبة في ربوع دنياهم , وأطلقت إرادة النفس الأمّارة بالسوء , التي إستفحلت وانكلبت وتسعرت فتحولوا إلى جمرات سيئات تنفث زعافها من حولها فتبيد الموجودات وهي ترفع رايات “قال”.
ويبدو أن مشكلة الأديان كافة تتلخص بمعضلة “قال” , لأنها تنفي العقل وتمنع دوره , وترفض التطور والإجتهاد , وتمحق أبعاد الزمن , وكأن “قال” دستور كوني وقانون شرعي , وأن الذي “قال” ليس من البشر بصلة ولا هو كان في مكان وزمان ما , وما قاله هو إبن الحالة التي كان فيها بجميع ظروفها المحيطية والذاتية وغيرها , وكأن الذي قال قد إنتهى عند قوله كل شيئ , وعقمت الحياة والعقول من الإتيان بشيئ بعد قوله , الذي أسهم في صناعة المتحجرات الآدمية.
إن “قال” , تتنافى مع بديهيات الوجود والحياة , وتنفي الحركة , وتأبى الدوران , وتجرد الإنسان من عقله , وتحسبه صاحب جمجمة ودماغ عليه أن يُحشى , بمعطيات “قال”!!
ولا يمكن للأمة أن تكون إذا بقيت مرهونة بأقبية “قال” , فعليها أن ترى بعيون عصرها وعقله وروحه , وأن تجتهد وتثوّر العقول والنفوس لتخرجها من أسر الضلال والبهتان , وتحررها من الظلمات وتسقيها من النور.