جاء في كتاب افواه الزمن للكاتب ادواردو غاليانو، انه وفي العام 1992، بينما كان يجري الاحتفال بمرور خمسة قرون على شيء يسمونه: خلاص اميركا، وصل قس كاثوليكي الى قرية هندية منسية في المكسيك، قبل القداس جرى الاعتراف، بلغة توخولوبال الهندية، عدد الهنود خطاياهم، وقد بذل احدهم جهدا في ترجمة الاعترافات، مع انه يعرف من المستحيل ترجمة تلك الاسرار.
فكانت الاعترافات: يقول انه قد هجر الذرة، ويقول ان حقل الذرة حزين جدا، فمنذ ايام كثيرة لم يذهب اليه، يقول انه قد اساء الى النار، وانه ضرب الموقد لانه لايشتعل، يقول انه قد دنس حرمة الدرب، وانه سار فيه وهو يضرب بمنجله دون سبب، يقول انه قد سبب الاذى للجاموس، يقول انه قد قطع شجرة، ولم يخبرها لماذا فعل ذلك، لم يعرف القس ماعليه عمله بهذه الخطايا، فهي غير واردة في قائمة موسى.
ولم ترد في قائمة عيسى، وربما لم ترد في قائمة محمد، هذه الاقوام البدائية الوثنية التي ادخلت تحت معطف الاديان السماوية بالقوة، لم يقطعوا شجرة ولم يدنسوا الطريق ولم يؤذوا الجاموس، فمابهم اصحاب الرسالات السماوية، يحرقون ويقتلون ويذبحون، منذ موسى الى المسيح وحتى محمد، مابهم هل قال لهم الرب اقتلوا واحرقوا ودمروا، يدمرون كل جميل، ولو ان رسالاتهم السماوية امرتهم بهذا، لم يزيدوا عليه تدميرا، او ربما عصوا الاله فلم يفعلوا كما يريد.
آلاف الاعوام وآلاف الطغاة والاباطرة، من فرس ورومان، سلاجقة وبويهيون ومغول، لم يجرؤ احد على تدنيس معلم آثاري واحد، ولكن داعش السعودية وقطر وتركيا، واميركا، هذه الدول التي تفتقر الى الشواخص الحضارية، ولانها لاتمتلك هذا الكنز الهائل من الرموز، رأت ان تدمر رموز الشعوب الضاربة في القدم، تريد ان تخلع عنها الرداء الحضاري الذي ترتديه، لتقارن بين كينونتين، ان الاقوام التي تتسم بالمدنية حاليا، هي اقوام همجية ابتداء بالسعودية التي كانت عبارة عن عصابات وقطاع طرق، الى تركيا التي كانت عشائر بني عثمان تمثلها، وليس انتهاء باميركا اللقيطة ، التي بناها الخارجون على القانون.
في الوقت الذي كان فيه الايرلندي اللاجىء الى اميركا عبر البحر، يقتل ايرلنديا آخر من اجل لقمة من الطعام، وفي الوقت الذي ينضم فيه هؤلاء قطاع الطرق الى الجيش من اجل الفوز بلقمة او كما يقولون بثلاث وجبات، كان العراقي يمتلك كما هائلا من الوعي والشعر والفلك، حتى الفترة المظلمة التي يسميها البعض لم تكن مظلمة كما هي اليوم، الضوء الذي سلطته اميركا على الشعب العراقي، نخره حتى العظم.
لقد دخلت الدبابات الاميركية بغداد، فسمحت باحراق المكتبات العامة، وللاسف كان الدليل عراقيا، والآن يتمتع بمميزات نائب في البرلمان بعد ان اصبح من اصحاب الشركات، لم يكن واحدا فقط، بموافقة اميركا تم تدمير المخطوطات وسرقتها، ارادت اميركا ان تتركنا بلاتاريخ، وهاهي داعش تكمل الدور المرسوم، البعض يعترض على الغصة التي اصابتنا بتدمير آشور وتاريخه الكبير، ويعتب ان الدماء تسيل، فماقيمة التماثيل؟، للاسف لا احد يعلم ان تاريخ العراق ربما يكون اكثر اهمية من الذين اسلموه للهمج والقتلة، دققوا بخطاياكم وسترون ان خطايا الهنود الذين شردوا من ارضهم، لم تكن بافظع من خطاياكم، فتهيأوا للرحيل، لن تكونوا كاليهود بل اسوأ بكثير.