-1-
ليست المبادرات الانسانية النافعة مقصورة على طبقة معينة من الناس .
واذا كان من الصحيح القول :
بأنّ الاغنياء تُتاح لهم فرص كبيرة لانعاش المستضعفين والبائسين وامدادهم بالمعونات اللازمة ، فانّ من الصحيح أيضا القول :
بانّ الاحسان الى الضعفاء والفقراء متاح لغير الاغنياء أيضاً .
إنَّ الاسلام لا ينظر الى (حجم) العمل وانما ينظر الى (الدافع) من ورائه، فمتى ما كان الدافع موضوعيا خالصا من الشوائب، كان صاحبه فائزاً حائزاً على درجات عالية من التقدير والمثوبة .
قد يبني أحد الأثرياء داراً للأيتام تبلغ كلفتُها المليارات من الدنانير ، ولكنه يبنيها لتكون (اللسان) الناطق بخدماته، و(البيان) المعبّر عن ذاتِهِ وسماتِهِ، وكلُّ ذلك يسلب منه الصدق والخلوص في النية .
انه بمثابة الاعلان المدفوع الثمن …
وقد تَمْسَحُ أنتَ – المجرّد من الامكانات المالية الضخمة – على رأس يتيم ، لتدخل السرور على قلبه ، وَلِتُشْعرَهُ بأنّك تعيش آلامَهُ وتتحسسها، فتتفوق بلمساتك الحانية على ذلك الهيكل الطابوقي الضخم ..!!!
إنّ دافعك الى ما قمتَ به، شريف نظيف بعيد عن أيّ انتفاع ذاتي ، ومصلحة دنيوية .
وأنت بهذا تفضل المُنْفِقَ للمال الوفير من أجل الوصول الى المنصب الخطير .
-2-
ان الامة التي يتكافل ابناؤها اجتماعياً لا تُهزم ولا تُقهر …
وانّ الشعب الذي يعيش ابناؤه روح الاخاء الصادق، ويتبادلون المودة وحمل الهموم، شعب قادر على مواجهة التحديات الكبرى، وتخطي المشكلات والأزمات .
-3-
قرأت ترجمة الحسن بن الحر النخعي التي أوردها الذهبي في كتابه تاريخ الاسلام ووفيات المشاهير والاعلام ج8 ص266 وجاء فيها :
( كان الحسن بن الحرّ يجلس على بابه ، فاذا مَرّ بِهِ البائع يبيعُ الملح أو الشيء اليسير ، لعل الرجل يكون رأس ماله درهمين فيدعُوهُ فيقول :
إنْ اعطاك انسان خمسة دراهم تأكلها ؟
فيقول :
لا
فيقول :
هذه اجعلها رأس مالك ،
ويعطيه خمسة اخرى فيقول :
اشتر لأهلك دقيقاً وتمراً ،
ويعطيه خمسة اخرى فيقول :
اشتر بها قطناً للاهل ، وَمُرْهُم يغزلون )
ونلاحظ هنا :
1 – انتهاز الفرص لإسداء يد المعونة للضعفاء من دون إبطاء …،
وقد حّول الرجل جلسته أمام باب داره مُنْطَلَقاً لمبرراتِه ومعوناته .
2 – العمل، لا البطالة والتسكع، هو الاصل الذي لابُدَّ ان يُعتمد في طلب الرزق .
3 – الى جانب اشباع الحاجات الضرورية كالمأكل والملبس …،
لابُدَّ ان تتسع دائرة المعونات الانسانية الى تقديم ” رأس المال ” المناسب، للقيام بما يتيسر من الاعمال ولو كانت بسيطة .
4 – ممارسة الأسرة ” رجالاً ونساءً ” للعمل كفيلٌ بتامين احتياجاتها الضرورية كلُّ بما يقوى عليه …
وجاء (الغزل) مثالاً على ما تستطيع النساء القيام به .
5 – ليس مهماً ان يكون مقدار ما يُدفع في مضامير البر والاحسان كثيراً،
إنَّ القليل خير من العدم …
-4-
اننا اليوم نشهد تفاقم الاوضاع المزرية لشريحتين اجتماعيتين عراقيتين يبلغ تعدادُهُما الملايين الكثيرة :
1 – شريحة مَنْ هُمْ تحتَ خطِّ الفقر .
وأفضل الطرق والسبل لاخراجهم من عنق الزجاجة، تيسير حصولهم على راس المال حتى اذا كانت البدايات متواضعة ..!!
2 – شريحة النازحين والمهجرين .
وهؤلاء تركوا ديارهم واموالهم واصبحوا يواجهون أحرج الاوضاع وهم في وطنهم ..!!
ولابُدَّ ان نتعاون جميعاً، – شعبا وحكومةً – على تخفيف وطأة معاناتهم كلٌ حسب وسعه ،
لقد اثنى النازحون من { الانبار } على ما قدّمه لهم اخوانهم في {كربلاء} ..
وهذا هو الدليل العملي على أنَّ العراقيين اكبر من ان يقعوا فرائس لمن يريد ان يمزق وحدتهم ويثير فيهم النعرات الطائفية المقيتة …
-5-
إنّ الحل الحقيقي لمشكلة النازحين والمهجرين ،هو رجوعهم الى بيوتهم ومقارهم، وذلك لا يكون الاّ بالتوّجه جميعاً لخندق المواجهة الساخنة لاعداء الله والانسانية من عصابات ” داعش “، المتعطشة لدمائنا، شيعة وسنة، وعرباً وكرداً وتركمانا ، مسلمين ومسيحيين وصابئة وايزيديين وأقليات ..
ولن نستطيع دحرهم الاّ عبر التلاحم والصف المشترك المرصوص .