لن ادخل في كلاسيكيات المقالات و اعرض مقدمةً طويلةً عن الحكم السني لبلاد ما بين النهرين بعد نهاية الاحتلال الصفوي الثالث (سنة 1638م) و قبل الاحتلال الامريكي الاول (سنة 2003م) فالوقت ينفذ لان تسارع الاحداث و تقاطعها بين (المنطقية و اللامنطقية) لا يعطي للتحليلات السياسية وقتاً كثيراً لتثبت واقعيتها .
لكل طبقة آتنية في اي مجتمع (قوة) تعتمد على اشخاص يمثلونها و يعطوها الاندفاع التي تستحقها لهذا فان اي ديمقراطية في بلد تتركز في نجاعة و مدى فعالية (هؤلاء الناس) ومنها تأخذ هذه الآتنية تاثيرها و عمقها في صناعة القرارات (السياسية و الاقتصادية) للمجتمع ككل.
مشكلة اي حرب اهلية في بلد (والعراق منها) ان مكوناتها الآتنية (بغض النظر عن التوجهاتها الآيدولوجية للافراد) سوف ترجع لقاعدتها الأولية التي نشأت مِنْهَا فالشيعة مثلاً (ومنهم القوميين ، الرديكاليين ، العلمانيين ،الاشتراكيين و حتى الليبراليين) تمحوروا حول الآتنية الاساسية التي ينتمون اليها و كذا فعل السنة و الكرد و بقية الطوائف .
ان السنة و طبقتهم الحاكمة بعد (عام 2003م) لم يستفيدوا من العمق الاستراتيجي الذي تمثلهه لهم طائفتهم في اخذ (الجزء الممكن اخذه) من الكعكة لصالح مكونهم و تحويل ذلك العمق الى فعل سياسي قوي ككتلة واحدة لجعل (الدولة الوليدة) بقوانينها و مؤسساتها ساحة للتاثير الايجابي لهم و لطائفتهم بل تحولوا شيئاً فشيئاً الى ما يشبه (أمراء حرب) فاسدين تناحروا فيما بينهم لكسب المغانم على حساب حاظنتهم السنيّة فضعف تاثيرهم و تاثير طائفتهم تدريجياً حتى اصبحوا عبارة عن موظفيْن لا مشّرعين او قادة فخسروا سنتهم و ضيعوا ثقل طائفتهم لصالح باقي المكونات.
اصاب (ظهور داعش) وسيطرتها على مناطقهم (سنة 2014م) اصاب السنة و سياسييها بمقتل فبدلاً ان يعيدوا ترتيب بيتهم و يستفادوا من قضية داعش واحتلالها مناطقهم لكي يحصلوا على تنازلات مهمة (على الأقل) لصالح طائفتهم بدل هذا استمر التشظي و تغيير الولاءات لديهم ما بين الحكومة و بين داعش و بين غيرهم ليصبح وجودهم (تحصيل حاصل) في بلدهم و ليكونوا (مفعولاً بهم) لا (فاعلاً) و لينتهوا كتكملةً للعدد ليس إلا.
اثبتت معركة تكريت ما حللناه سلفاً فهم بين مقاتلٍ مع داعش و بين مناصرٍ للحكومة و مليشياتها و بين متابعٍ لمجريات معركةٍ الخاسر الوحيد منها هم و سياسييهم.
ولعل قائلاً يقول “انهم اي السنة (كانوا و لا زالوا و سيبقون) فارضهم لهم و تاريخهم بَيّن مشّرِف و حاضنتهم الاكبر (سنة الاسلام) تدعمهم بحكم الارتباط المذهبي و التاريخي معهم وقد مرت عليهم غزوات و غزوات و لم يفُت في عَضدِهم شيء” انتهى الكلام … نعم هذا صحيح لكنهم كقوة مؤثرة في بلدهم اصبحوا اضعف مقارنةً حتى بثقلهم السكاني الجيوسياسي و تاثيرهم على صنع القرار السياسي لم يعد يذكر.
التحالفات (في المنطق السياسي) قد يعطي زخماً للقوة السنية لكن (اي هذه التحالفات) اصبحت متأخرة .. فلا هم ارتبطوا بالفكر الامريكي ليستفادوا من ثقل (واشنطن و الغرب) داخل العراق ولا هم مالوا الى دول التاثير الرديكالي الاسلامي (كالسعودية) او الدول اللاعبة الكبرى في المنطقة (كتركيا او مصر) لكي يبنوا على الاقل منظومة سياسية خارجية فعالة تستطيع اخراجهم من درب (التيه) الذي وضعوا انفسهم فيه منذ 13 عاماً و تكون لهم سنداً في الضغط على بقية قوى الداخل و الخارج لتُوازِن كفتهم المائلة.
كل ما سبق جعل من سنة العراق بيادق شطرنج (تلفظ انفاسها الاخيرة) منتظرةً الحركة القادمة من ايدي اللاعبين لعل الفوز ياتي على يد احدهم .
هذه الرؤية ليست متشائمة بقدر سوء الوضع المزري على الارض لكنه تحليل لما قد يصل اليه الحال اذا لم يبني (على عجل) سنة العراق قوة سياسية متحدة فعالة بالتوازي مع تحالف (داخلي و خارجي) يكافئ التحالف الرديكالي الشيعي مع ايران ومع (امريكا) وهذا الشيء قد بدأ فعلاً لكن بخطوات خجولة سياسياً بينما الفعل على الارض لا يتناسب مع ما تحقق فالعشائر السنية متخوفة من ثقل القوى الشيعية في القرار السياسي العراقي و من يدها المليشاوية الحديدية الدموية الطائفية و من دعم الملالي في طهران لهم لكن هذا التخوف قد يتحول الى ارتياح ايجابي محسوس (فقط) اذا إتحَدَتْ تلك (العشائر) في رؤاها مع سياسييها لتصنع من جديد ثقلاً سياسياً فعالاً يرمم ما تصدع من جدران البيت السني و ليرجع ابناءه (كما هو عهدهم) لبنةً من لبنات نهضة العراق و اعمدةً اساسية في قيادته.
فيا سنة العراق و يا سياسيوها “اتحدوا” ليس من اجلكم و من اجل احفادكم فحسب بل من اجل عراقكم الذي ليس لكم غيره موطناً و ليس له دونكم من قادةٍ و زنودٍ سمر.