اذا ما حاولنا بادئ ذي بدء فهم وادراك موقع النظام القبلي من تراتبية بنية الاجتماع الكردي العراقي القديم والحديث ، فهل يمكن لنا وصف القبلية بنظامها المعروف على اساس انه ((العمود الفقري او المفتاح السحري لفهم ، وادراك )) كل الشخصية الكردية في المنطقة بصورة عامة والشخصية الكردية العراقية بصورة خاصة ؟؟.
أم ان النظام القبلي داخل التراتبية الاجتماعية الكردية ولاسيما الحديثة لايختلف في شأنه ، وموقعه عن ما هو موجود من موقع للنظام القبلي للمجتمعية العربية والاسلامية و ثم العراقية المدينية المتنوعة بصورة خاصة ؟!.
بمعنى اخر : منذ ما طرحه مؤسس علم الاجتماع العربي والاسلامي عبد الرحمن بن خلدون / 732 هجريه ، 1332 م/ 808 هج، 1406م / في مقدمته ، التي تناولت تاريخ ، وهيئة المجتمع العربي والاسلامي بنوع علمي مختلف وتحدث (( ابن خلدون )) عن النظام القبلي داخل منظومة الاجتماع العربي على اساس انه(نظام اصيل) داخل منظومة الاجتماع الانساني ، والعربي وله قوانين تتحكم في حركته ، وماهيته التي هي قائمة بالاساس على ( حالة الصراع مع الحضارة ) ومن اهم اهداف هذا الصراع هو الوصول الى السلطة والحكم والدولة ….الخ منذ ذالك الحين في تاسيسات علم الاجتماع العربي الاسلامي ، وحتى
اليوم عندما اقتبس الدكتور(علي الوردي) في كتاباته فكرة (( الصراع بين الحضارة والبداوة )) لتكون منطلقا لتنظيراته الاجتماعية العراقية الحديثة ، أقول : حتى اليوم لم يزل علماء الاجتماع ينظرون الى نظام وتركيبة ((الدائرة القبلية))على اساس انها من ضمن مفردات المجتمع العراقي ، الذي يتكون من عدة تراتبيات بنائية حضرية مدينية بكل ما تحمله من قوانين ونظم ونتاجات فكرية وثقافية ، وسلوكية اجتماعية واخرى قبلية (مختلفة عنها) تشكل ماهية بنى الاجتماع العراقي القديم والحديث !.
فياترى ، وعلى هذا المنوال العلمي في قراءة المجتمع العربي بصورة عامة والعراقي بصورة خاصة هل يمكن لناايضا ان نتناول المجتمعية الكردية التاريخية والكردية العراقية الحديثة بصورة خاصة على نفس النمط الذي يقسم ( التراتبية البنيوية ) للمجتمع العراقي لنقول، ونبحث التركيبة اوالدائرة الاجتماعية الكردية العراقيةعلى اساس وجودهذين النظامين داخل هذه الدائرة المجتمعية الكردية ؟!.
أم ان المجتمعية الكردية لايمكن الحديث ، والبحث في داخلها بنفس المنهجية التي طرحها(بن خلدون)في صراع البداوة والحضارة لنصل الى ذروة الصراع والتناشز والتناقض بين النظامين القبلي والحضري المديني وهما يتدافعان من اجل الهيمنة على المجتمع وقيادته وسلطته من خلال الوصول الى الدولة ؟.
((17))
للجواب على مثل هذه التساؤلات لابد من الالتفات لمحورين اساسيين لمنهجية البحث في الاجتماع الكردي العراقي وهما :
الاول : هو ان المجتمعية الكردية ، بدائرتها الشمالية الجبلية العراقية ومن خلال توافق معظم الانثربولوجيين ، والسوسيولوجيين المحدثون مستشرقون وغيرمستشرقين وبمافيهم الكرد انفسهم يتوافقون على ان السيطرة والهيمنه ، التي كانت ، ولم تزل موجودة للنظام الاجتماعي الكردي هي هيمنة وسيطرة ( النظام القبلي ) فحسب ، وهذا النظام هو الحاكم للمجتمعية الكردية الجبلية منذ مئات ، او الاف السنين في هذه المنطقة ولم تزل مؤثراته كذالك هي الحاكمة والموجهة لمعظم القيمية السياسية والدينية ، والثقافية والاقتصادية ، والاسرية للفرد والجماعة الكردية !!.
بمعنى اخر : انه لايمكن الحديث في البحوث الاجتماعية ، التي تتناول الدائرة الكردية العراقية عن حالة تناوب وصراع نظامان اجتماعيان يتحكمان في تفاعلية وحركة هذا الاجتماع وهما((النظام القبلي البدوي والاخر الحضري المديني)) كما ذكرناه في منهجية ابن خلدون وغيره عند قراءة ، وادراك التقسيمات البنيوية للمجتمع العربي والاسلامي القديم والحديث !!.
وانما ماهو قائم بالفعل ، ومؤثر وباني بالاساس و … بالنسبة للتركيبة الاجتماعية البنيوية الكردية العراقية هو النظام القبلي (منفردا ) وحده بدون مؤثرات اساسية للبنيوية الحضرية التي تصنع نوعامن الصراع الايجابي لحركة المجتمع ومن ثم تطوره وتحركه وتغيره !!.
ولهذا الانفراد والهيمنه للنظام القبلي على المجتمعية الكردية العراقية لمدد تاريخية متطاولة ، وعدم تمكن الاجتماع الكردي بصورة عامة لتجاوز((مرحلة او حقبة او عقدة))النظام القبلي عوامل واسباب كثيرة ومتنوعة جغرافية واجتماعية ( سنتناول بعضا منها من خلال البحث تباعا) لكن المهم الان هو الالتفات الى هذه الحقيقة البنيوية الاجتماعية الكرديةلانها من ضمن الحقائق التي تؤسس لفهم اكثرواقعية لشخصية الاجتماع الكردي القديم والحديث من جهة ، ولانها من ضمن الحقائق التي اشار لها معظم من تناول الشخصية الاجتماعية الكردية ، لاسيما ما نقله
الكوردولوجي (( باسيل نكتين )) في كتابه الكرد الذي نقل رايا عبقريا ونافذا ل(وغرام ) وهويحلل عدم تغير طبائع الاجتماع الكردي وسكون وثبات هذه الطبائع لاكثرمن الف سنة قبل الميلادوارجاع هذه ((السكونية)) الى عامل هيمنة النظام القبلي بالقول :(( لم تتغير طبائع الاكراد منذ عام الف قبل المسيح ، انهم شعب قوي وموهوب يحسنون المعاملة ومع ذالك هناك شيئ ما ينقصهم فيلبثون شعبا فاشلا ، اذ انهم لم يتمكنوا حتى الان من التخلص من حياتهم القبلية )) !!.
ثم يضيف (( نكتين ))مؤكدا على عقبة النظام القبلي في دواليب التقدم والتغير الاجتماعي الكردي بالقول : ((فاذا صح ان الاكراد لايتمكنون من ( تخطي مرحلة القبلية ) فهذا يعني انها تلعب دورا عائقا في سبيل ارتقائهم الى مستوى معيشة جماعية افضل / نكتين / الكرد / ص 68 / مصدر سابق )) !.
الثاني: اما المحور الثاني الذي ينبغي ايضا الالتفات اليه قبل اي تناول للشخصية الكردية العراقية الحديثة ، هو ان هذه القبلية المستبدة بقيادة الاجتماع الكردي فكريا دينيا اقتصاديا سياسيا اجتماعيا …. ،هي قبلية لاتختلف في ماهيتها واسسها ومنطلقاتها ورؤاها و ….الخ عن القبلية العربية من جهة ، الا انها تنفردعن القبلية العربية بانها اصلب وجودا واكثر تعقيدا من جانب اخر !!.
بمعنى اخر : ان النظام القبلي لايختلف في اسسه ، ومنطلقاته ونتاجاته الاجتماعية ورؤاه و … الخ من جغرافية اجتماعية الى اخرى ، بل هو نظام متكامل ومتماسك وواضح ومتى ماغابت ظاهرة الدولة وانزوى مجتمع الاقتصاد والمصالح المديني ، برزت سلطة النظام القبلي بكل مفرداتها ومحركاتها من سلطة الاسرة داخل القبيلة ، الى سلطة القبيلة داخل المجتمع وحتى محور العصبية والارتباطات النَسبية لتحل محل سلطة الدولة ، وسلطة المصالح الاجتماعية المتنوعة (( لان المجتمع لايمكن ان يستمر بوجوده بدون نظام وسلطة )) ولتبسط قيمها القبلية وسلطتها داخل كل
الاطرالاجتماعية سواء كانت فكرية ثقافية او دينية عقدية ، او سياسية او اقتصادية او تربوية اسرية او ….الخ ، فكل هذه الظواهر سوف تتاثر بسلطة النظام القبلي، وتنطبع بطابعه ، بل وتنتج كل الظواهر الاجتماعية تبعا لرؤاه ، ومدياته لتصبح الثقافة ، او الدين ( مثلا) مقيدة بمفاعيل النظام القبلي ، ولتتسرب العصبية القبلية لتكون هي محور الثقافة والمعتقد ، وليس الثقافة والدين هي محور ومروض القبلية والعصبية ، وهكذا في منتجات المجتمع القبلي الاقتصادية او التربوية او.. الخ عندما تتاثربرؤى نظام القبيلة ودوافعها بل ومناهجها وامكانياتها المحدودة
!!.
فالنظام القبلي كما له حواضن داخل المجتمع العربي ، كذالك له نفس المهيئات والحواضن داخل المجتمع الكردي او التركي او اي مجتمع اخر يفقد دفعة التحول الى المجتمع الحضري ، او تغيب عنه مقومات التحضر لينتكس مرتدا الى النظام القبلي ، والمهم هو فكرة ان النظام القبلي قالب جاهز لسد غياب الدولة ، وما تنتجه من مدينية وحضرية اقتصادية واجتماعية داخل اي مجتمع !!.
((18))
اما لماذا كون ( الفبلية الكردية لاسيما العراقية ) هي اصلب من القبلية العربية او باقي نظم القبلية الاخرى واعمق تعقيدامنها فلاسباب اهمها :
اولا : لان القبلية الكردية قبلية جبلية ، اما القبلية العربية (مثلا ) فهي قبلية صحراوية وفرق واضح بين قبلية الصحراءالمنبسطة بجغرافيتها الرملية المتحركة ، وبين القبلية الكردية المعقدة ، والمرتفعة بجبالها الصخرية الوعرة والجامدة والساكنه !!.
فالنظام القبلي هنا اذا ما طبقنا ((المنهج الدارويني الاجتماعي )) عليه سياخذ (نوعيته ) حتما من البيئة الجغرافية المحيطة به والنظام القبلي الجبلي الكردي لتمترسه بالجبال الصلبة ، وصعوبة التواصل فيها بين اهل القرية اوالقبيلة الواحدة ، فضلا عن التواصل مع العالم الخارجي عنه ، سيكون حتما نظاما اصلب بكثير من النظام القبلي الصحراوي صاحب الارض الرملية المنبسطة المهيئة ، لطرق التواصل فيما بينه والبين الاخر من جهة وفيما بينه وبين العالم الخارجي عنه من جانب اخر !.
وهذا يعني ان اي حضارة خارجية(خارج نظام القبيلة)تحاول اختراق النظام القبلي الصحراوي والتاثير فيه ، ومن ثم السيطرة عليه ستكون محاولتها اسهل بكثير ، من محاولة اي حضارة تحاول اختراق القبلية الجبلية الوعرة ، او الصعود اليها او التاثير فيها ، فضلا عن الهيمنة والسيطرة عليها !!.
ثانيا : يتميز (النظام القبلي الكردي الجبلي) عن غيره من النظم القبلية الاخرى الصحراوية ، او غيرها بانه نظام استطاعت الجبال الشاهقة العالية الوعرة حمايته من مؤثرات الحضارة من جهةووفرت له الدعم والمساندة والاستمرارية المفرطة والمتصلبة زمنيا من جانب اخر !!.
بل : ان القبلية الكردية الجبلية (وهذا ما التفت اليه كل السوسيولوجيين تقريبا الذين كتبوا في المجتمعية الكردية ) لانها جبلية فان هذه الجبال كانت ولم تزل هي النصيرالاعظم للنظام القبلي والمحارب الاشّدلفكرة الدولة والسلطة المركزية وصناعة المجتمعات الحضرية المتنوعة !!.
فمنذ ما يقارب السبعة الاف سنة او اكثر من ذالك من تاريخ البشرية ، او منذ بروز ظاهرة الدولة ، وبسط نفوذها داخل المجتمعات الانسانية وابتكارهذه الدولة لفكرة القوانين التي تصهر المجتمع في ظل عنوان واحد لجميع تنوعات الاجتماع البشرية ، كانت الجبال الكردية ، ولم تزل هي العائق الابرز( لقيام دولة ) اوتاثير الدولة والحضارة في هذا الصقع من جغرافيا العالم الانساني القديم والحديث ،ولهذا من الطبيعي ان نرى الكرد بصورة عامة والكرد العراقيين بصورة خاصة يشكلون الاطارالمتمم لباقي الشعوب والحضارات تاريخيا وحتى اليوم!.
راسلنا على :
[email protected]
مدونتي فيها المزيد
http://7araa.blogspot.com/