لا يخفى على أحد الواقع المتردي للتعليم العالي في العراق، من هبوط ترتيب الجامعات العراقية وقلة البحوث المنشورة، والسبب الرئيسي هي الفجوة العلمية التي خلفتها السياسات الخاطئة للنظام البائد، من إنغلاق و حروب وحصار خلق فجوة في الإمكانات وطرق البحث والتدريس بين العراق وباقي الدول.
لم يتغير حال التعليم العالي كثيرا بعد الـ2003 ،وكان السبب الرئيسي هذا المرة الفساد والمصالح الحزبية الضيقة لبعض السياسيين، ولعل أهم خطوة أتخذت لتطوير التعليم العالي هي مشروع العشرة آلاف بعثة، والمشروع كان يهدف إلى إرسال عدد كبير من طلبة الدراسات العليا لمختلف دول العالم، للإطلاع على التطور العلمي الحاصل في هذه الدول، ونقله الى العراق بعد عودتهم.
الفكرة بحد ذاتها رائعة وذكية، ولكن التنفيذ كان متلكئأ بسبب البيروقراطية، فالإنجاح مثل هذه الخطة ضمن الفترة الزمنية المقررة ،كان من المفروض تخصيص دائرة تحتوي على عدد مناسب من الموظفين ومدير واحد، وأن يكونوا من ذوي الكفاءة خاصة بما يتعلق بإستخدام الحاسبة وقواعد البيانات.
ما حصل هو أن دائرة البعثات أسست على نفس النظام الإداري القديم المتبع في العراق، فعدد غير كاف من الموظفين، وعدد مبالغ فيه من رؤساء الأقسام والمدراء ولكل مكتبه الخاص مع السكرتارية، وأضيفت الحاسبة الإلكترونية كغطاء شفاف عن نظام متهالك، فكانت النتيجة فوضى عارمة وضياع ملفات وتأخر غير مسبوق بإكمال المعاملات، ومن الممكن ملاحظة ذلك من فقرة الاستعلام الالكتروني داخل موقع البعثات نفسه، مع العلم أن عدد المبتعثين لم يصل إلى نصف ما خطط له في بداية الأمر
مع ذلك فالطلبة المبتعثين بالخارج كان لهم الباع الأكبر في رفع ترتيب جامعاتهم ، وذلك بفضل قرار يجبرهم على وضع أسماء جامعاتهم العراقية إضافة إلى الجامعات الأجنبية، والحمد لله لم تعترض الجامعات الأجنبية ولم تلحظ الأمر أصلا.
إستبشرنا خيرا بالتغير الذي حصل بعموم الدولة، وكان للتعليم العالي فيه حصة الأسد بوصول شخص أكاديمي ناجح بسيرة علمية مشرفة كالدكتورحسين الشهرستاني الى رأس الوزارة، وفعلا هنالك الكثير من القرارات الجريئة والصحيحة أتخذت، مثل السماح للطلاب المبتعثين بأجراء بحوث تحسب لهم بالترقية العلمية، ودعوة الجامعات الأجنبية الى فتح فروع لها داخل العراق.
ولكن ككل فرح في عراق اليوم لا يدوم، لم تدم فرحتنا طويلا، فتفاجئنا بسلسلة من التوصيات التي تستهدف الطالب المبتعث، وتهدد بفشل خطة الإبتعاث مع ما صرف عليها من ملايين الدولارات من قبل الدولة العراقية.
هذه التوصيات أوقفت تعديل فئات بعض الدول رغم الغلاء المعاشي الحاصل فيها، وليس هذا فحسب بل أوصت بتخفيض كل رواتب الطلبة المبتعثين، بمبالغ لا تكفي بأي حال من الأحوال الطالب وحده فما بالك مع عائلته.
السيد رئيس الوزراء والسيد وزير التعليم العالي، كلاكما أكملتم دراستكم خارج العراق، وتدركون تأثير عدم كفاية الراتب على طالب البعثة، وكيف من الممكن أن يؤثر ذلك على مسيرته العلمية، ونشعر بالمرارة بتذكيركم أن طلبة البعثات كان لهم راتب ثابت ومحترم آبان النظام البائد، فكيف تسمحون بإذلالهم في عصر الديمقراطية
نحن نرجوكم أن لا تسمحوا لعدو خفي أن يطلق بإسمكم رصاصة الرحمة على قلب التعليم العالي في العراق