23 ديسمبر، 2024 5:32 م

الدولة الوطنية وصراعها مع الهويات الفرعية

الدولة الوطنية وصراعها مع الهويات الفرعية

في مناقشة قبل أكثر من عام مع عدد من الاصدقاء عن دور العشيرة والمذهب في المجتمع العراقي، وأيهما يمثل الأقوى، طرحت حينها سؤالا كان الآتي : إذا وقع شجار بين شخص من عشيرتك أو قوميتك لكنه مختلف عنك في مرجعيته المذهبية، وطرف آخر في الشجار من عشيرة أو قومية أخرى لكنه يتوافق معك في اتباع المذهب، فأيهما ستؤيد وتناصر؟ جاءت الاجابة : سأقف مع الذي يتوافق معي في التبعية المذهبية رغم اختلافه عني في من حيث النسب العشائري أو الانتماء القومي.
وقتها رضيت بالاجابة ظاهرا، لكني لم اقتنع في داخلي لعلمي بحقيقة الأمر، وعلمي أن الاجابات انما جاءت بدافع عاطفي، ذلك أن المجيبون لم يخضعوا للاختبار العملي.
ما دعاني اليوم الى اعادة طرح الفكرة، هو ما سمعته من كلام لأحد رجال الدين يرد على اتهام من رجل عشيرة بأن رجال الدين لم يؤدوا دورهم في تثقيف الشباب وبالتالي جاءت الاوضاع كما هي حاصلة اليوم، فقال في الرد: رجل الدين في العراق لايمارس من التأثير سوى واحد في المئة من التأثير الذي يملكه شيخ العشيرة.
وهذا الكلام يتطابق مع وجهة نظري انطلاقا من البنية الاجتماعية التي قام على أساسها المجتمع العراقي، فمثلا إذا أطال رجل الدين في الصلاة تركه المصلون وخرجوا من المسجد، أما رجل القبيلة فالكل يقف الى جانبه عندما يطالب بمبالغ خيالية أثناء جلسات تقام للفصل في قضية أو اجرام، بل الأكثر انهم يفتخرون به لانه قادر على الأخذ بالحقوق.
وبالتالي يمكن ترتيب الهويات حسب اولوياتها من وجهة نظر المجتمع :
·      عشائر
·      قوميات
·      مناطق
·      أديان
·      مذاهب 
·      الدولة
وأيا كانت الهوية الأولى لكنها تأتي قبل الهوية الوطنية والانتماء للدولة، وهذه نتيجة طبيعية لفشل مؤسسة الدولة منذ نشأتها في صهر هذه الهويات ضمن هوية الدولة الوطنية العراقية، فلا تجد اسما لشخص (فلان العراقي)، مقابل ذلك تجد الملايين (فلان الفلاني) منسوبا الى عشيرته أو قوميته أو منطقته.
إن الدولة لم تتمكن أن تتحول الى أم حاضنة للافراد، ولم تشعرهم بأنهم أولادها، ما دفع بهم الى البحث عن حاضنة أخرى فكانت قوة العشيرة قد فرضت نفسها في تلك الاثناء، ولهذا تجد في حالات وقوع الشجار او الجرائم أو الخلافات تسعى العشائر الى انهاء تلك المشكلة فيما بينها دون تدخل أجهزة الدولة المعنية، وهذه الظاهرة انما هي دليل قلة الوعي الثقافي وبدائية المجتمع.
وللخروج من هذه الظاهرة ويكون للدولة دورها وتثبت وجودها لابد من اتباع جملة من الامور :
1-  على الدولة اعادة طرح مفهوم المواطنة والهوية الوطنية وكيف انها تمثل بوتقة تنصهر فيها كل الهويات الفرعية التي هي دون الدولة.
2-  اشعار الفرد بأهميته لدى الدولة من خلال منحه حقوقه الطبيعية على اختلاف التوجهات القومية والعشائرية والمذهبية.
3-  جزء كبير من المسؤولية يقع على عاتق المؤسسة التعليمية والتثقيفية (الاسرة – الحزب) لنشر أهمية الوطن وثقافة المواطنة بقبول الأخر المختلف، وعدم التمييز.